وأما المال فكان على رواد الصناعة أن يستقرضوه من إحدى الطائفتين، وفعلاً مد هؤلاء أيديهم إليها يلتمسون ذلك.
وكانت النتيجة أن أحجم الملاك الإقطاعيون عن إقراض وتمويل المشروعات الصناعية بسبب ظاهر، وهو أنهم بمد يد العون لها إنما يسهمون في هدم مركزهم المالي والمجتمع بإيجاد منافس قوي لهم، إذ أن نمو المصنع سيكون على حساب الأرض، ومن ناحية أخرى كانت الصناعة لا تزال في مهدها، وليس من المؤكد أن يتحقق ما يتوخى منها، وهم ليسوا مستعدين للمغامرة في أمر مشكوك في عواقبه.
أما الفئة الأخرى اليهود فقد اندفعت لتمويل الصناعة، ولم تر في ذلك شيئاً من المخاوف، وليس ذلك تكرماً من عبيد الذهب ولا هو قصر نظر منهم، بل لأنهم كانوا واثقين من النتيجة، فهم - أولاً - يريدون أن ينفثوا حقدهم على المجتمع الإقطاعي الزراعي - الذي يذلهم ويحتقرهم - بتهيئة المناخ لطبقة جديدة تتولى قيادته، وتكون تحت رحمتهم وإشرافهم.
وهم -ثانياً- مطمئنون إلى نتيجة قروضهم، فهي مكفولة بالرهون الثقيلة إلى جانب الأرباح الفاحشة.
هذا مع العلم أن بعض أرباب المصانع كانوا يهوداً بأنفسهم، ومنهم ريكاردو، وهكذا سقطت الصناعة تلقائياً في قبضة الذهب اليهودي، وظل الزمن يزيدها استحكاماً حتى وصلت سيطرتهم الاقتصادية على العالم الصناعي إلى الحال التي لا يجهلها أحد اليوم) (١).
(١) ما بين القوسين مقتبس من محاضرة شفوية للأستاذ محمد قطب ألقاها ضمن برنامج السنة المنهجية لعام (١٣٩٦ - ٩٧هـ) مع اختصار وتصرف، وتجدر الإشارة إلى أن البروتوكولات اعترفت بذلك في مواضع كثيرة.