للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكم تكون الخسارة فادحة لو أن عالماً من جهابذة الطب كتب أروع بحث علمي في فنه، وأوصى خادمه بحفظه، لكن الخادم عبث به، فقدم وأخر، وشطب وأضاف، حتى حوله إلى خزعبلات سخيفة .. فكيف إذا كان موضوع العبث هو الوحي الإلهي الذي لا تستقيم بغيره حياة ولا تصلح بسواه دنيا ولا آخره؟!

إن المسيح-عليه السلام- قد بعث في بيئة تعج بركام هائل من الخرافات والوثنيات - ذكرنا بعضها قريباً - وجاء كأي نبي مرسل لينقذ قومه من هذا الركام، ويهديهم إلى التوحيد الذي دعا إليه سلفه من الأنبياء، ولا شك أنه قام بمهمته خير قيام، وكان عليهم شهيداً ما دام فيهم، فلما توفاه الله حدث من أتباعه ما لم يكن في الحسبان من تحريف ونكوص.

وعملية التحريف التي استغرقت زهاء عشرة قرون -بل نستطيع أن نقول: إنها لم تتوقف حتى الآن- بدأت مبكرة حين كان الحواريون لا يزالون على قيد الحياة، كما أنها ابتدأت بموضوع ليس بالهين، وهو القول بأن للمسيح طبيعة إلهية، مع أن سيدنا عيسى عليه السلام- كما تعترف دائرة المعارف البريطانية- "لم تصدر عنه أي دعوى تفيد أنه من عنصر إلهي أو من عنصر أعلى من العنصر الإنساني المشترك" (١).

وتتفق المصادر التاريخية -فيما نعلم- على أن اليد الطولى في التحريف كانت لمبشر من أتباع الحواريين، تسميه المسيحية المحرفة " بولس الرسول "، وهو الذي أثار موضوع ألوهية المسيح لأول مرة، مدعياً أنه"ابن الله" (٢) تعالى الله عن ذلك، وكانت هذه الدعوى البذرة الأولى للتثليث.


(١) عن الجفوة المفتعلة بين العلم والدين: (١٥).
(٢) انظر: رسالة بولس إلى أهل رومه صح (١/ ٤ - ٥).

<<  <   >  >>