للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مازالوا أحياء، ولما كان هذا الاستقلال قد اكتسب بعد كفاح مرير فمن المنطقي أن تنظر إليه جماعة المشتغلين بالفلسفة على أنه أهم الحريات المدنية، وأن تعده جديراً بأن يحفظ بأي ثمن" (١).

نعم ذاك هو الحال وتلك هي النتيجة.

انفلات من قيود الكنيسة وانعتاق من أغلالها، وفرحة غامرة بالفكاك من قبضتها، والتملص من وصايتها، فماذا يتوقع من عبدٍ أحس بنشوة الظفر لأنه أبق عن سيده، أو أسير شم نسيم الحرية بالفرار من معتقله؟

لقد اندفع تيار أهوج في كل القنوات الفكرية والعلمية في أوروبا، تيار يريد أن يجرف كل شيء اسمه دين أو له علاقة بهذا الاسم، ويطمس كل موحى من موحياته، ويمحو كل أثر من آثاره، وكانت غاية من يسمون (أحرار الفكر!) هو الدفع بهذا التيار إلى الأمام ما أمكن وبسرعة أقصى.

لا لأن ذلك ما يمليه (المنهج العلمى) (وحرية الفكر)، ولا لأنه مقتضى النظر الموضوعي المتسم بالتعقل والتروي، بل لأنه نتيجة رد الفعل المتهور ضد الكنيسة الذي لا تكاد حدته تخف حتى تلهبها آثار سياط الكنيسة في ظهورهم.

وكما عرف الناس ورأوا واقع ما قاله: (كويت) من (أن كل خطوة إلى الأمام في البحث عن المعرفة قد حوربت باسم الدين) (٢) فقد بدا لهم مصداق ما قاله (الفرد وايتيهد): "ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين" (٣).


(١) الفلسفة أنواعها ومشكلاتها: (٣٣).
(٢) تاريخ البشرية. اليونسكو: (٦/ ٢/١).
(٣) الجفوة المفتعلة بين العلم والدين: (١٢).

<<  <   >  >>