الدين في العقيدة والسلوك، وقد كان يرى نفسه قادراً على وضع منهج للحياة بديل للمسيحية، وهي حماقة مغرورة نتج عنها علم الاجتماع اللاديني الذي ما يزال بعض المفكرين يتردد في تسميته علماً (١).
ويمكن القول بأن آراء كونت وفلسفته لم تكن لتشتهر وتصل من التطبيق إلى الحد الذي بلغته، لولا تلميذه اليهودي دوركايم، الذي طور المذهب ووضع له قواعد محددة، واهتم بالمشاكل العملية مضيفاً إلى ذلك حقداً أعمى وعداوة للدين مريرة.
(ب) دور كايم:
كان من حظ المدرسة الوضعية (وبالنظرة البعيدة من حسن حظ الهدامين التلموديين) وفي الوقت نفسه من سوء حظ الأخلاق الأوروبية أن انفجرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الثورة الفكرية الثالثة أو نظرية التطور.
فالتفسير الآلي الميكانيكي لنشأة الحياة وتطورها عزز الآلية النيوتونية عن الكون غير العضوي، وأفسح المجال أمام الناقمين على الكنيسة لاستنتاج تفسيرات اجتماعية وسلوكية آلية كذلك.
وهكذا أصبح من الواضح أن أثر الداروينية في العلوم الإنسانية لا يقل عنه في علوم الطبيعة والحياة، لا سيما الإيحاءان الخطران حيوانية الإنسان مع نفي الغاية من وجوده والتطور المطلق، فليس من مؤلف اجتماعي غربي لا يبرز فيه هذان الإيحاءان بجلاء.
والواقع أن علم الاجتماع كان يعاني صعوبات جمة ويستهدف لانتقادات غير يسيرة، لم ينقذه منها إلا نظرية التطور التي أشيعت بطريقة مذهلة تثير علامات استفهام كثيرة!