للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكيافيللي في مجال السياسة، فقد خرج على الكنيسة خروجاً صريحاً، وناقض تقاليدها ومقاييسها، وابتداءً منه أخذ الأدب الأوربي يحل الإنسان شيئاً فشيئاً محل الإله، فالاهتمام بالإنسان الذي نبه إليه دانتي ومعاصروه كان المنطلق لمحاولة تأليه الإنسان وتصويره على أنه إله حقيقي، وهي المحاولة التي بدأت في القرن التاسع عشر، واكتملت على يد سارتر وأشياعه في هذا القرن مروراً بتأليه الطبيعة الذي دعا إليه عصر التنوير، يقول داونز:

((يقف دانتي كما وقف صديقه ومعاصره المصور الرسام جيوتو على رأس حقبة جديدة في تطور الفكر البشري، ولما كان كلاهما فناناً عظيماً فإنهما عبرا أصدق تعبير عن ذلك الشيء الجديد الذي ربما كان يجيش في صدور الكثير من معاصريهم، ولكنهم لم يستطيعوا الإفصاح عنه كما أفصحا.

وهذا الشيء الجديد هو الإنسانية، هو الاهتمام بشئون الإنسان في الحياة الدنيا، ونستطيع أن نتفهم خطورة هذا الجديد الذي يزاحم القديم إذا قارناه بالعقائد المسيطرة على أذهان الناس في ذلك العصر عن الحياة والكون، ومؤداها أن الحياة الدنيا ليست إلا تمهيداً لاستقبال الحياة الأخرى، وقد هيمن هذا الاعتقاد على الناس في القرون الوسطى جيلاً بعد جيل تحت سطوة الكنيسة وسيطرتها العاتية على جميع نواحي النشاط الإنساني، وجميع المؤسسات الاجتماعية، بينما كان علم العلماء كله يدور حول المبادئ الدينية والعقائد الكنسية)).

((ثم جاء عقب ذلك عصر الاستنارة، وهو أول تبدل جديد طرأ على الناس في نظرتهم للحياة، فاتجهوا إلى أحضان الطبيعة يسوحون منها أسرار الكون ووضعوا ثقتهم المطلقة في مقدرة العقل الإنساني)).

((وقد نادى بهذا نفر من عباقرة ذلك العصر، ... كان مجالهم الفكري

<<  <   >  >>