ومقارعة الكفار، إذ تحولت إلى زوايا وتكايا للصوفية، وفي أحسن الأحوال أصبحت مدارس علمية صرفة لا أثر للتربية الجهادية فيها، وحتى مناهجها التعليمية كانت متخلفة ومحدودة (١).
وبالإضافة إلى الصوفية ساعد الفقهاء المتأخرون وكتب الفقه المبوبة - من غير قصد- على مد هذا الانحراف بتقسيمهم الأحكام الشرعية إلى عبادات ومعاملات واضعين في القسم الأول الأحكام التعبدية المحضة، وفي الآخر الأحكام التعبدية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي وما شاكلها، لم يقولوا ولم يعتقدوا أن القسم الثاني ليس عبادياً، لكنهم وضعوا القسمة لاعتبارات فنية اصطلاحية لا تمس جوهر الموضوعات، ولا أدل على ذلك من أن الكتب الفقهية المؤلفة في القرنين الأول والثاني، وكذلك كتب السنة -بصفة عامة- تخلوان من هذه القسمة، غير أن هذا التقسيم أصبح -بعد ظهور وانتشار الصوفية وحدوث الانفصام العملي في الحياة الإسلامية- أصبح من دعائم هذا الانفصام، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "إن تقسيم النشاط الإنساني إلى عبادات ومعاملات مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة الفقه، ومع أنه كان المقصود به في أول الأمر مجرد التقسيم الفني، الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه -مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثاراً سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة العبادة إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله فقه العبادات، بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط الذي يتناوله فقه
(١) انتشرت الزوايا على السواحل الإسلامية للبحر الأبيض وخاصة في الشمال الأفريقي، وقد أعادت الحركة السنوسية إليها الصبغة الجهادية فترة من الزمان.