وجفاف في الأرواح، وإغراق مفرط تام في عبودية المادة، وحرصٍ مُصرٍّ على التشبث بالحياة الدنيا.
إذن فقد كانت التوراة مضموماً إليها تعديلات الإنجيل شريعة يجب أن تطبق، وعقيدة يجب أن ينبثق منها كل منهج للحياة:((وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) [المائدة:٤٦/ ٤٧]، لكن الذي حدث هو أن هذه الشريعة لم يكتب لها التطبيق على المستوى العام لسببين متلازمين:
الأول: أنه لم يقم لها دولة تتبناها وتقيمها في الأرض، إذ من المعلوم أن عيسى عليه السلام، توفاه الله ورفعه إليه وهو لم يزل في مرحلة الدعوة التي تشبه حال الدين الإسلامي قبل الهجرة.
الثاني: أنه، عليه السلام، قد بعث إلى قوم قساة القلوب غلاظ الأكباد، وفي الوقت نفسه كانت المنطقة المبعوث فيها جزءاً من مستعمرات إمبراطورية وثنية عاتية، فكان ميلاد الدين الجديد في محيط معاد كل العداء له ولرسوله ونتج عن ذلك اضطهاد فظيع للمؤمنين به لم يدع لهم فرصة لتطبيقه إلا في النطاق الشخصي الضيق.
وكان أول من وضع العراقيل أمام دعوة المسيح وشريعته اليهود قتلة الأنبياء، وتكاد الأناجيل والرسائل تكون وصفاً للعنت الذي لقيه المسيح وأتباعه من الطوائف اليهودية، وقد جللوا عداوتهم بإغراء الحاكم الرومانى بقتله وصلبه، ولكن الله تعالى رفعه إليه ونجاه منهم ومنه.