هذا التفوق وتلك السيطرة كانا دون شك مذهلين في كل ميدان، ولكن المسلمين - المتخلفين فهما وواقعاً - رأوهما أعظم بكثير جداً من حقيقتهما إلى حد أن الصدمة النفسية التي حاقت بالأمة الإسلامية احتاجت إلى عشرات السنين لتخفيف آثارها، وإلى الكثير من المحاولات والتجارب المتدرجة.
وفي النماذج التي سيقت سلفاً عن إمكان تقبل المسلمين الذاتي للعلمانية ما يوضح هذه الحقيقة.
ومن أهم القضايا التي يجدر الانتباه إليها أن الانحراف غير المقصود ابتدأ من منطلق التخلص من جمود الفقه الإسلامي أمام التغيرات الحيوية الجديدة، ومن توهم المسلمين بأن سبب تخلفهم هو عجزهم التنظيمي والإداري، وأن محاكاة أساليب الحياة الغربية جديرة بالقضاء على ذلك التخلف، وعلى هذا الأساس قامت الحركة المسماة حركة الإصلاح في جناحي العالم الإسلامي تركية ومصر.
في تركية:
في سنة ١٢٥٥هـ١٨٣٩م أصدر السلطان عبد الحميد مرسومه الشهير: "لا يخفى على عموم الناس أن دولتنا العلية منذ مبدأ ظهورها وهي جارية على رعاية الأحكام القرآنية الجليلة والقوانين الشرعية المنيفة بتمامها، ولذا كانت قوة ومكانة سلطتنا السنية ورفاهية وعمارية أهاليها وصلت حد الغاية، وقد انعكس الأمر منذ ١٥٠ سنة بسبب عدم الانقياد والامتثال للشرع الشريف ولا للقوانين المنيفة بناء على طرو الكوارث المتعاقبة والأسباب المتنوعة، فتبدلت قوتها بالضعف وثروتها بالفقر .. واعتماداً على المعونة الإلهية ... قد رؤي من الآن فصاعداً أهمية لزوم وضع وتأسيس قوانين جديدة تتحسن بها إدارة ممالك دولتنا العلية المحروسة، والمواد الأساسية لهذه القوانين هي عبارة