للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه مع ذلك أبدي لا يسمح بالمرونة الكافية لمواجهة تطور المجتمع الإنساني (١).

ثم إن كرومر قد حرص على أن يؤكد للمصريين أن المسلم غير المتخلق بأخلاق أوروبية لا يصلح لحكم مصر، كما أكد أن المستقبل الوزاري سيكون للمصريين المتربين تربية أوروبية (٢) ومن هنا كانت رغبة المحتلين الشديدة في تعاون العلماء (المتنورين) معهم، وهي الرغبة التي تجلت في تشجيعهم للحركة الإصلاحية واحتضانها.

كان زعيم الإصلاح في مصر هو الشيخ محمد عبده الذي أثاره تقدم الغرب وتخلف المسلمين في كل ميدان، فهب يدعو إلى الإصلاح متأثراً بفكر جمال الدين الأسد أبادي الشهير بالأفغاني، وكان أمل المخطط اليهودي الصليبي -كما أوضح كرومر وجب وغيرهما- أن تكون حركة الشيخ مماثلة تماماً لحركة سير أحمد خان مؤسس جامعة علي قره بالهند التي تسمت المعتزلة الجدد وكانوا مفتونين بحضارة الغرب منبهرين بها إلى أقصى حد.

ولكن ظروف مصر غير ظروف الهند، كما أن الشيخ وإن كان اعتزالياً متطرفاً (٣) لم يستطع أن يصدم المشاعر الإسلامية بأكثر مما فعل حيث قامت ضد بعض تصرفاته ضجة في كثير من أنحاء العالم


(١) المصدر السابق: (١/ ٢٥٩، ٢٦٠).
(٢) المصدر السابق: (١/ ٢٦١).
(٣) لعل هذا هو أقرب ما يصح أن يوصف بها الشيخ من الانتماءات المذهبية وإن كان في الواقع له اتجاه مستقل أحياناً، وتظهر اعتزاليته أو عقلانيته في تأويلاته المشهورة للملائكة والجن والطير الأبابيل وخلق آدم. الخ وربما كانت هذه التأويلات هي التي دفعت كرومر إلى قوله أشك في أن صديقي عبده. كان في الحقيقة لا ادرياً نقلها عنه جب، (ص:٣٩٩) دراسات في حضارة الإسلام.

<<  <   >  >>