للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول: إن يكن الفقهاء أرادوا بالإمامة والخلافة ذلك الذي يريده علماء السياسة بالحكومات كان صحيحاً ما يقولون من أن إقامة الشعائر الدينية (الشعائر فقط) وصلاح الرعية يتوقفان على الخلافة بمعنى الحكومة في أي صورة كانت الحكومة ومن أي نوع، مطلقة أو مقيدة، فردية أو جمهورية، استبدادية أو دستورية أو شورية، ديمقراطية أو إشتراكية أو بلشفية، لا ينتج لهم الدليل أبعد من ذلك، أما إن أرادوا بالخلافة ذلك النوع الخاص من الحكم (يعني الحكم الإسلامي!) فدليلهم أقصر من دعواهم، وحجتهم غير ناهضة (١)

هذا ولسنا بصدد استعراض ذلك الكتاب المريب، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه كان له آثار بعيدة، فقد ترجم إلى اللغات الأجنبية، وأصبح مرجعاً معتمداً لدراسات الإسلامية هناك، وقام بتقريظه والثناء عليه كل المهتمين بهذه الدراسات في الغرب، وظهرت آثاره في كتاباتهم (٢) وهلل له سماسرة الاستعمار من الكتاب والصحفيين باعتبار مؤلفه عالماً متحرراً متنوراً، ووضعه البعض على رأس مرحلة فكرية عصرية ... إلخ.

ووجدت الأحزاب السياسية فيه ضالتها المنشودة، فلم تعد تتحرج من إعلان انتمائها للاتجاهات السياسية اللادينية شرقيها وغربيها، وبراءتها من الدين والمتدينين، أما الكتب التي ألفت في الرد عليه، فقد حاصرتها الدوائر الاستعمارية، وأهملتها وسائل الإعلام حتى لم يكد يظهر لها صدى عند غير القلة المخلصة.

وفي الفترة التي أعقبت إلغاء الخلافة كانت معظم أجزاء العالم الإسلامي خاضعة للاستعمار، وكانت مخططاته الماكرة تنفذ بدقة


(١) المصدر السابق: (٨٣).
(٢) انظر: مثلاً ما كتبه جب عن الخلافة في كتابه: دراسات في حضارة الإسلام.

<<  <   >  >>