أما القرآن فأمر حفظه -كما سبق- أشهر من أن يدور حوله نقاش.
وأما السنة فسلامتها وحفظها معجزة من معجزات هذا الدين الخالدة، فقد قيض الله لها رجالاً يستظهرون مئات الألوف من الأسانيد والأحاديث غيباً، لو أن أحدهم شك في كلمة بل في حرف لذكر ذلك في روايته أداءً للأمانة وتبرئة للذمة، واستنبط المسلمون علماً لا نظير له بين الأمم السابقة واللاحقة، وهو علم مصطلح الحديث، الذي وضعت له أصول وقواعد يذهل لها الباحثون المعاصرون، وما يزال في الأمة علماء معاصرون محتفظون بسلسلة السند حتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أن الكتب المدونة تملأ الآفاق.
ونتيجة للضبط المتقن والدقة البالغة كانت الأمة واثقة كل الثقة في قدرة علمائها على كشف كل مدسوس على السنة، فقد جيء إلى الرشيد بزنديق فأمر بقتله، فقال: يا أمير المؤمنين! أين أنت عن أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام، ما قال النبي منها حرفاً واحداً؟
فقال الرشيد: أين أنت يا زنديق عن عبد الله بن المبارك وأبي إسحاق الفزاري ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً (١).
وظلت هذه الأمة الإسلامية قروناً تعيش حياة متسقة موحدة المنهج والسلوك، لا أثر فيها لشيء من الانفصال الشعوري أو العملي بين الشريعة والسياسة، أو بين الدين والدنيا على النحو الذي رأيناه في النصرانية.
نعم وقع في حياة الأمة الإسلامية انحراف بل انحرافات، لكنها