الحديث عن قوله تعالى:((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:٥٦] ومنه:
((إن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر، فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر، والله لا يكلفهم بهذا، وهو يكلفهم ألواناً أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم، وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن، ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان، نعرفها من القرآن من قول الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)) فهي الخلافة في الأرض -إذاً- عمل هذا الكائن الإنساني، وهي تقتضي ألواناً من النشاط الحيوي في عمارة الأرض والتعرف إلى قواها وطاقاتها، وذخائرها ومكنوناتها وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها، كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي تناسق مع الناموس الكوني العام.
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى أوسع وأشمل من مجرد الشعائر، وإن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعاً، وإن حقيقة العبادة تتمثل إذاً في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس، أي: استقرار الشعور على أن هناك عبداً ورباً، عبداً يَعبد ورباً يُعبد، وأن ليس وراء ذلك شيء وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار، ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثانى: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير وبكل حركة في الجوارح وكل حركة في الحياة، التوجه بها إلى الله خالصة والتجرد من