للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهة واحدة تطلب عندها كل شيء، وتتوجه إليها بكل شيء، جهة واحدة ترجوها وتخشاها وتتقى غضبها وتبغي رضاها، جهة واحدة تملك كل شيء، لأنها خالقة كل شيء ومالكة كل شيء ومدبرة كل شيء، كذلك يرد الكينونة الإنسانية إلى مصدر واحد تتلقى منه تصوراتها ومفاهيمها وقيمها وموازينها وشرائعها وقوانينها، وتجد عنده إجابة على كل سؤال يجيش فيها، وهي تواجه الكون والحياة والإنسان بكل ما يثيره من علامات الاستفهام.

عندئذٍ تتجمع هذه الكينونة، تتجمع شعوراً وسلوكاً وتصوراً واستجابة في شأن العقيدة والمنهج، وشأن الاستمداد والتلقي، وشأن الحياة والموت، وشأن السعي والحركة، وشأن الصحة والرزق، وشأن الدنيا والآخرة، فلا تتفرق مزقاً، ولا تتجه إلى شتى السبل والآفاق، ولا تسلك شتى الطرق على غير اتفاق" (١).

وهنا يتجلى -كذلك- مدى الانحراف الذي حصل بالتفريق بين العقيدة والشريعة، وبين الدنيا والآخرة، وبين العبادات والمعاملات، ذلك الانحراف الذي أدى إلى انحسار مفهوم الدين ومفهوم العبادة إلى أقصى الحدود.

هذا الانحراف حين يصبح فكرة واعية ومبدأً مرسوماً يفرق دين الله، ويمزق حركة الإنسان -أي عبادته- ويفصل دنياه عن آخرته، أو كما قال محمد أسد: "يفصل الإنسان عن مصيره"، حينئذ يكون هذا الانحراف شركاً في عبادة الله لا يقبله الله ولا يرضاه، وهذا هو الشأن في العلمانية.

أما التفريق بين العقيدة والشريعة فحسبنا ما أسلفنا عن حكم من لم يلتزم بشريعة الله من الآيات والدلائل، ويكفي أن الإيمان


(١) خصائص التصور الإسلامى: (١٢٨ - ١٢٩).

<<  <   >  >>