من الوثنية، وتنظر بعين المقت إلى فن النحت الوثني الذي يهدف إلى تمثيل الآلهة، ولكن انتصار المسيحية في عهد قسطنطين وما كان للبيئة والتقاليد والتماثيل اليونانية من أثر، كل هذا قد خفف من حدة مقاومة هذه الأفكار الوثنية، ولما أن تضاعف عدد القديسين المعبودين نشأت الحاجة إلى معرفتهم وتذكرهم، فظهرت لهم ولمريم العذراء كثير من الصور، ولم يعظم الناس الصور التي يزعمون أنها تمثل المسيح فحسب، بل عظموا معها خشبة الصليب، حتى لقد أصبح الصليب في نظر ذوي العقول الساذجة طلسماً ذا قوة سحرية عجيبة".
وأطلق الشعب العنان لفطرته، فحول الآثار والصور والتماثيل المقدسة إلى معبودات يسجد لها الناس ويقبلونها، ويوقدون الشموع، ويحرقون البخور أمامها ويتوجونها بالأزهار ويطلبون المعجزات بتأثيرها الخفي.
(وفي البلاد التي تتبع مذهب الكنيسة اليونانية بنوع خاص كنت ترى الصور المقدسة في كل مكان في الكنائس والأديرة والمنازل والحوانيت وحتى أثاث المنازل والحلي والملابس نفسها لم تخل منها، وأخذت المدن التى تتهددها أخطار الوباء أو المجاعة أو الحرب تعتمد على قوة ما لديها من الآثار الدينية، أو على ما فيها من الأولياء والقديسين .. للنجاة من هذه الكوارث)(١)
تلك هي الصورة مجملة في القرون المسيحية الأولى، ولكن المد الإسلامي العظيم في القرن الثامن الذي شمل معظم المعمورة أحدث بتعاليمه التوحيدية الخالصة أثراً قوياً في البيئات الوثنية المجاورة -لا سيما دولة الروم النصرانية- وبفضل هذا التأثير أحس الغربيون بسخافة
(١) قصة الحضارة (٢٤/ ١٥٤) وانظر قصة جزيرة صقلية في (ص:١٠٩) من هذا الكتاب.