رواها عنه إسحق الدبري، وعاش بعد عبد الرزاق ٧٣ سنة وآخر من روى عن الدبري من الرجال أبو القاسم الطبراني وعاش بعده ٧٦ سنة. والطبراني ممن جاوز المائة بيقين".
وهذه الصحيفة من أقوى الدلائل على أن الشيخين: البخاري ومسلم- لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحاح، ولا التزما ذلك. وهما لم يقولا ذلك قط، وإنما هو ظن من بعض العلماء واستنباط. فقط، إكباراً للصحيحين، وتنويهاً بفضل الشيخين واجتهادهما وتحريهما. والصحيحان جديران بكل إكبار. وهما حجة لا شك فيها. ومؤلفاهما جديران بكل فضل وثناء.
واجتهادهما ونصيحتهما للأمة وللسنة، في الذروة العليا من التقدير. ولكن ليس معنى هذا ألا توجد أحاديث صحاح فيما لم يخرجاه في درجة ما أخرجاه في الصحة. بل الصحاح التي في درجة أحاديثهما كثيرة، إذا ما استوفت شروط الصحة العالية. فها هي ذي الصحيفة الصحيحة -"صحيفة همام بن منبه" اتفق الشيخان على إخراج أحاديث منها، وانفرد البخاري منها بأحاديث، وانفرد مسلم منها بأحاديث أخر، وتركا - معاً- إخراج ما بقى منها مما لم يخرجاه. كما سيظهر ذلك من تخريج أحاديثهما، إن شاء الله. بل هي تدل أيضاً على أن ما اتفقا على إخراجه من الأحاديث- لا يكون دائماً أعلى درجة في الصحة مما انفرد به أحدهمالأولا مما لم يخرجاه. وإنما العبرة في ذلك كله باستيفاء شروط الصحة، أو استيفاء شروط أعلى درجاتها في أي حديث كان، أخرجاه أم لم يخرجاه. ومن
البين الواضح أننا نريد بما "اتفقا على إخراجه منها" أو "انفرد به أحدهما" هو ما يرويانه منها من طريق "عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة" وإلا ففي أحاديثهما ما يرويانه- أو أحدهما- عن أبي هريرة من غير طريق همام. وعن همام من غير طريق معمر. وعن معمر من غير طريق