وتغنت بمدحه الجن حتى ... أطرب الإنس منه ذاك الغناء
أي أظهرت الجن أوصافه صلى الله عليه وسلم الجميلة في صورة الغناء الذي تألفه النفس، ولا تصبر منها عند سماعه، فتسمع لغيره، حتى أطرب الإنس ذاك الغناء: الذي سمعوه من الجن، قال: فلاح الصباح، وإذا بالفنيق يشقشق. والفنيق: بفتح الفاء وكسر النون وسكون المثناة تحت ثم قاف: الفحل الكريم من الإبل، ويشقشق بشينين معجمتين وقافين: أي يهدر إلى النوق، فملكت خطامه، وعلوت سنامه، حتى إذا لغب بالغين المعجمة والموحدة: أي تعب، فنزل في روضة خضراء؟ فإذا أنا بقسّ بن ساعدة في ظل شجرة وبيده قضيب من أراك ينكت به الأرض. والنكت بالمثناة، وهو يقول:
يا ناعي الموت والملحود في جدث ... عليهم من بقايا بزهم خرق
أي (القبر) ، أي (والبز الثياب)
دعهم فإن لهم يوما يصاح به ... فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا
(أي خافوا)
حتى يعودوا بحال غير حالهم ... خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم ... منها الجديد ومنها المنهج الخلق
والمنهج من الثياب: الذي أخذ في البلى، قال: فدنوت منه، فسلمت عليه فرد عليّ السلام، فإذا بعين خرارة: أي لمائها خرير: أي صوت في الأرض، خوارة: أي ضعيفة، ومسجد بين قبرين وأسدين عظيمين يلوذان به، وإذا بأحدهما قد سبق الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء، فضربه بالقضيب الذي في يده وقال: ارجع، ثكلتك أمك: أي فقدتك حتى يشرب الذي قبلك فرجع، ثم ورد بعده، فقلت له: ما هذان القبران؟ قال: هذان قبرا أخوين كانا لي يعبدان الله عز وجل معي في هذا المكان لا يشركان بالله شيئا: أي اسم أحدهما سمعون والآخر سمعان، فأدركهما الموت فقبرتهما، وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما، ثم نظر إليهما وأنشد أبياتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قسا، إني أرجو أن يبعثه الله أمة وحده: أي واحدا يقوم مقام جماعة كما تقدم، وقد أشار إلى ذلك صاحب الأصل بقوله:
وعنه أخبر قس قومه فلقد ... حلى مسامعهم من ذكره شنفا
ولما مات قس قبر عندهما، وتلك القبور الثلاثة بقرية يقال لها روحين، من أعمال حلب، وعليها بناء والناس يزورونهم، وعليهم وقف ولهم خدام.