ومن ذلك ما ذكره الواقدي بإسناد له قال: كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يحدث أن قوما من خثعم كانوا عند صنم لهم جلوسا، وكانوا يتحاكمون إلى أصنامهم، فبينا الخثعميون عند صنم لهم إذ سمعوا هاتفا يهتف ويقول:
يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ومسند والحكم إلى الأصنام
أما ترون ما أرى أمامي ... من ساطع يجلو دجى الظلام
ذاك نبي سيد الأنام ... من هاشم في ذروة السنام
مستعلن بالبلد الحرام ... جاء يهدّ الكفر بالإسلام
أكرمه الرحمن من إمام
قال أبو هريرة: فأمسكوا ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا، فلم يمض بهم ثالثهم حتى فجأهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ظهر بمكة، أي جاءهم ذلك بغتة، فما أسلم الخثعميون حتى استأخر إسلامهم ورأوا عبرا عند أصنامهم.
وأما خبر زمل بن عمرو العذري قال: كان لبني عذرة، وهي قبيلة من اليمن صنم يقال له خمام بالخاء المعجمة المضمومة وتخفيف الميم وكانوا يعظمونه، وكان في بني هند بن حرام بالحاء المهملة المفتوحة والراء، وكان سادنه: أي خادمه رجلا يقال له طارق، قال في النور: لا أعلم له ترجمة ولا إسلاما، وكانوا يعترون، أي يذبحون الذبائح عنده، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول: يا بني هند بن حرام، ظهر الحق وأودى خمام، أي هلك، ورفع الشرك الإسلام. قال زمل: ففزعنا لذلك، وهالنا أي أفزعنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، بوحي ناطق، صدع صدعة بأرض تهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة، فوقع الصنم لوجهه.
فإن كان ذلك الصوت من جوف الصنم ويرشد إليه قوله: هذا الوداع مني إلى يوم القيامة، فهو من غير هذا النوع، وإن لم يكن فهو من هذا النوع. قال زمل:
فابتعت أي اشتريت راحلة، ورحلت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومي وأنشدته:
إليك رسول الله أعلمت نصها
النص: هو الغاية في السير.
أكلفها حزنا وقوزا من الرمل
والحزن ما ارتفع من الأرض، والقوز بالقاف والزاي: التل الصغير.
لأنصر خير الناس نصرا موزرا
(أي قويا) .