للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إذا صح عندي خبر من رواية مدلِّس، أنه بيَّن السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره، بعد صحته عندي من طريق آخر".

وبناءً على هذا؛ سلك أكثر المحدِّثين بعد الشيخين، في أكثر أحاديث "الصحيحين"مسلك إحسان الظن، وحَمْل ما اشتملت عليه بعض أسانيد كتابيهما من علل توجب ردَّها على أنَّها مجبورة ومدفوعة من أوجه أخرى، اطَّلعا عليها، وخفيت على من بعدهما.

يقول ابن رشيد السَّبتي (١) ؛ مخاطباً الإمام مسلماً:

"وعلى نحو من هذا؛ تأَّول علماء الصنعة بعدكما عليكما ـ أعنيك والبخاري ـ، فيما وقع في كتابيكما من حديث من عُلم بالتدليس، ممن لم يُبَيِّن سماعه في ذلك الإسناد الذي أخرجتما الحديث به، فظنوا بكما ما ينبغي من حسن الظن، والتماس أحسن المخارج، وأصوب المذاهب؛ لتقدمكما في الإمامة، وسعة علمكما وحفظكما، وتمييزكما، ونقدكما، أن ما أخرجتما من الأحاديث عن هذا الضرب مما عرفتما سلامته من التدليس.

وكذلك أيضاً؛ حكموا فيما أخرجتما من أحاديث الثقات الذين قد اختلطوا، فحملوا ذلك على أنه مما رُوي عنهم قبل الاختلاط، أو مما سَلِموا فيه عند التحديث.

على نظرٍ في هذا القسم الآخر، يحتاج إلى إمعان التأمل؛ فبعض منها توصلوا إلى العلم بالسلامة فيه بطبقة الرواة عنهم، وتمييز وقت


(١) في "السنن" (ص ١٤٣-١٤٤) ، وانظر: كتابي "حسم النزاع" (ص ٩٧) .

<<  <   >  >>