وروى ابن أبي حاتم في تفسير الآية السابقة بإسناده عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي أنه قال صلى الله عليه وسلم:"يُدعى نوح -عليه السلام- يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيُدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيُقال لنوح عليه السلام: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته، فذلك قوله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} " قال: "الوسط: العدل، فتُدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثم يشهد عليكم بعد".
قال ابن أبي حاتم: لما أخبر الله -عز وجل- أنه جعل هذه الأمة عدلًا في شهادتهم بتبليغ رسلهم رسالات ربهم بَانَ أن السُّنَّة تصح بالأخبار المروية؛ إذ كانت هذه الأمة إنما علمت بتبليغ الأنبياء رسالات ربهم بإخبار نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار الله تعالى إلى أن الأخبار لا تؤخذ إلا من العُدول؛ لأن هذا يجعلنا نطمئن إلى سلامة ما نُقل إلينا من التغيير والتحريف والتبديل١.
ثانيًا: قد حث الله تعالى المؤمنين بأن يَنْقُل من فَقُه أو تعلَّم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الآخرين الذين لم يتمكنوا من ذلك، وعملية النقل هذه هي الرواية، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢] .
روى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس ٠رضي الله عنهما- أنه قال في تفسير هذه الآية:"لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالماكثون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم من الغزو لعلهم يحذرون ما أنزل من بعدهم من قضاء الله -عز وجل- وكتابه وحدوده".
قال ابن أبي حاتم:"قد أمر الله -عز وجل- المتخلفين مع نبيه -صلى الله عليه وسلم- عمن خرج غازيًا أن يخبروا إخوانهم الغازين إذا رجعوا إليهم بما سمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من سنته، فدل ذلك على أن السنن تصح بالإخبار".