ولا شك أن في الأخبار أو الأحاديث احتمال الخطأ والوهم والكذب؛ ولكن العلماء وضعوا ضوابط ومقاييس كثيرة للتثبت والتأكد من عدالة الرواة وضبطهم؛ بحيث يصبح نقل الحديث على وجه الصحة أكثر تأكيدًا من أداء الشهادة على الوجه الصحيح، ومنكرو السُّنَّة لا يختلفون في صحة الشهادة، فكيف يختلفون في صحة رواية السُّنَّة ونسبة الظن فيها أقل من نسبة الظن في الشهادة؟!
فالقرآن الكريم نص على اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويكون ذلك باتباع ما صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، ونحن لا نعرف ذلك إلا بالرواية التي نالت عناية فائقة من الأئمة العلماء الذين وضعوا كافة الأسس والضوابط والمقاييس التي تبين حال كل واحد من رواة الحديث الشريف من حيث العدالة والضبط والإتقان ... إلخ.
ثانيًا: مناقشة الإمام ابن أبي حاتم الرازي للمنكرين للسُّنَّة
عاش ابن أبي حاتم في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجريين، وهو من أبرز الحريصين على نقل الرواية الصحيحة، وله مناقشات هامة في إثبات مشروعية الرواية في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل""١/ ١/ ١-١٣" ويمكننا توضيحها فيما يلي:
أولًا: قد جعل الله تعالى المسلمين عدولًا يُعتمد على شهادتهم وروايتهم، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣] ومعنى الوسط: العدل، وهم كذلك بتمسكهم بمبادئ دينهم، فهم يشهدون يوم القيامة على الأنبياء بأنهم بلغوا عن ربهم رسالاته إلى الناس بناء على إخبار الله ورسوله لهم بذلك، وإذا كان الله تعالى جعلهم عدولًا وقَبِلَ روايتهم وأخبارهم التي رَوَوْها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه أحرى بنا أن نقبل روايتهم؛ لأنها نوع من الشهادة.