للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠] ، فالآية تفرض وتقرر على المؤمنين أن يوصوا لوالديهم وأقربائهم إذا أحسوا بدنوِّ الأجل، وجاءت السُّنَّة بنسخ الوصية للوالدين والأقربن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" ١، ولا دليل على هذا النسخ إلا بالسُّنَّة، فتطبيق حكم الله على الوجه الأكمل لا يكون إلا بالأخذ بالسُّنَّة، وذلك حتى لا يُعمل بآية قد نسخ الشرع حكمها.

رابعًا: وصرحوا بما هو حق؛ ولكنهم سرعان ما حوَّروه إلى باطل، فقالوا: إن السُّنَّة تخصص العام في القرآن الكريم، والقرآن قطعي الورود، والسُّنَّة ظنية الثبوت؛ فلهذا تُرد السُّنَّة؛ لأن القرآن قطعي وهي ظنية.

وهؤلاء يعارضون أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم يتفقون -مع غيرهم- على أن حرمة الدم والمال مقطوع بهما، ومتفقون على أنه إذا شهد اثنان على إنسان بأنه قتل آخر عمدًا، فإنه يباح دمه ويُقتل قَصاصًا، وإذا شهد اثنان على إنسان بأنه انتهب مالًا عوقب ويؤخذ من ماله بقدر ما أخذ، وقد حكمنا بذلك بناء على ظننا أن الشاهدين صادقان، فهذا تخصيص قطعي بظني: القطعي هو حرمة الدم والمال، والظني هو شهادة الشهود، ومنكرو السُّنَّة يعترفون بذلك ويقبلونه، فلِمَ يرفضون السُّنَّة بحجة أنها ظنية والقرآن قطعي؟!


١ هذا الحديث جزء من حديث طويل في خطبة الوداع بدايته: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" الحديث، رواه أبو داود في "١٧" كتاب البيوع والإجارات: باب في تضمين العارية - حديث رقم "٣٥٦٥"، والترمذي في "٣١" كتاب الوصايا "٥" باب ما جاء لا وصية لوارث - حديث رقم "٢١٢٠" من حديث أبي أمامة، وقال الترمذي: وفي الباب عن عمرو بن خارجة، وأنس، وهو حديث حسن صحيح ... ثم رواه الترمذي من حديث عمرو بن خارجة بنحو حديث أبي أمامة مطولًا "٢١٢١" وقال: هذا حديث صحيح.
ورواه النسائي في المجتبى "٣٠" كتاب الوصايا "٥" باب إبطال الوصية للوارث - من حديث عمرو بن خارجة بالطرف المذكور فقط "٣٤٦١، ٣٤٦٢، ٣٤٦٣"، ورواه ابن ماجه في "٢٢" كتاب الوصايا "٦" باب لا وصية لوارث - من حديث عمرو بن خارجة بنحو حديث الترمذي "٢٧١٢"، ومن حديث أبي أمامة بالطرف المذكور "٢٧١٣"، ومن حديث أنس بن مالك مختصر أيضًا "٢٧١٤"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة "٢/ ٣٦٨": هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

<<  <   >  >>