للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- مكانته عند عمر رضي الله عنهما:

روى ابن عيينة عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن قال: كان ابن عباس من الإسلام بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية. وكان عمر -رضي الله عنه- إذا ذكره قال: ذلك فتى الكهول، له لسان سَئُول، وقلب عَقول١.

وروى معمر عن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول؛ إن له لسانًا سئولًا وقلبًا عقولًا٢.

وروى عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: دعاني عمر مع الأكابر ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا، ثم يسألني، ثم يقبل عليهم فيقول: ما منعكم أن تأتوني بمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستوِ شئون رأسه٣.

وروى البخاري في صحيحه من طريقين، عن أبي بشر، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني من أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لِمَ تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا. فقال لي: أكذاك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه له قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وذلك علامة أجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول٤.


١ أخرجه الطبراني "١٠٦٢٠"، وعنه أبو نعيم "١/ ٣١٨"، والبلاذري "٣/ ٧٣"، وأورده الهيثمي في "المجمع" "٢٧٧/ ٩"، ونسبه للطبراني وقال: وأبو بكر الهذلي ضعيف.
٢ المستدرك "٣/ ٥٣٩، ٥٤٠" ورجاله ثقات إلا أنه منقطع.
٣ سير أعلام النبلاء "٣/ ٣٤٥". شئون الرأس: عظامه والشعب التي تجمع بين قبائل الرأس وهي أربعة أشؤن.
٤ صحيح البخاري: المناقب، وفي "٨/ ٩٩" المغازي: باب منزل النبي يوم الفتح، وفي المغازي: باب مرض النبي ووفاته، وفي التفسير: باب قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} , وأخرجه أحمد "١/ ٣٣٧، ٣٣٨"، والترمذي "٣٣٦٢"، والطبراني "١٠٦١٦" و"١٠٦١٧"، وابن جرير "٣٠/ ٣٣٣"، والحاكم "٣/ ٥٣٩"، وأبو نعيم "١/ ٣١٦، ٣١٧"، وذكره السيوطي في الدر المنثور "٦/ ٤٠٧"، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.
وقوله: "قد وجدوا على عمر" معناه: غضبوا، ولفظ "وجد" الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب، والحب، والغنى، واللقاء.

<<  <   >  >>