للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاحتكام إلى القرآن وحدة: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل- فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله" ١.


= وذكر الخطيب البغدادي لهذا الحديث طريقًا آخر في الفقيه والمتفقه "١/ ١٨٩": عبادة بن نُسَيّ، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن معاذ، وقال الخطيب: "وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة". وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير "٤/ ١٨٣": "فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتًا لكان كافيًا في صحة الحديث".
وممن صحح هذا الحديث من جهة سنده أيضًا: الإمام القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه عارضة الأحوذي "٦/ ٧٢، ٧٣" قال: "اختلف الناس في هذا الحديث، فمنهم من قال: إنه لا يصح، ومنهم من قال: هو صحيح، والدين القول بصحته؛ فإنه حديث مشهور يرويه شعبة بن الحجاج، رواه عن جماعة من الرفقاء والأئمة؛ منهم: يحيى بن سعيد، وعبد الله بن المبارك، وأبو داود الطيالسي، والحارث بن عمرو الهذلي الذي يرويه عنه، وإن لم يعرف إلا بهذا الحديث فكفى برواية شعبة عنه، وبكونه ابن أخ للمغيرة في التعديل له والتعريف به، وغاية حظه في مرتبته أن يكون من الأفراد ولا يقدح ذلك فيه، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولًا".
وصححه الإمام الحافظ الذهبي في كتابه: "مختصر العلل المتناهية لابن الجوزي"، والذي طبع باسم "تلخيص كتاب العلل المتناهية لابن الجوزي" "ص٢٦٩، ٢٧٠" بتحقيق ياسر إبراهيم محمد، فقد عقب على كلام ابن الجوزي قال عن الحارث: ما هو مجهول؛ بل روى عنه جماعة وهو صدوق إن شاء الله، وعن قوله: وأصحاب معاذ لا يعرفون. قال: ما في أصحاب "معاذ" بحمد الله ضعيف، ولا سيما وهم جماعة. ثم قال: "وهذا حديث حسن الإسناد، ومعناه صحيح".
وصححه أيضًا الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين "٢٠٢٨" قال: "فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين، فهم أصحاب معاذ، فلا يضره ذلك؛ لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث به عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ، لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهر من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، ولا يعرف من أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح؛ بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث، وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به".
ومن جهة أخرى، فإن هناك بعض العلماء الذين صححوا هذا الحديث من جهة شهرته بين العلماء؛ حيث تلقوه بالقبول، وعملوا به، واحتجوا به، وصار مشهورًا بينهم، واستغنوا بشهرته عن النظر في إسناده كما فعلوا هذا في أحاديث أخر، وممن صححه من هذه الجهة: أبو العباس بن العاص "أحمد بن أبي أحمد الطبري من أئمة الشافعية، انظر: سير أعلام النبلاء ١٥/ ٣٧١، ٣٧٢" ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير "٤/ ١٨٣" وقال ابن حجر: "إنه استند في صحته إلى تلقي أئمة الفقه والاجتهاد له بالقبول، وأنه قال: وهذا القدر مغنٍ عن مجرد الرواية، وهو نظير أخذهم بحديث: "لا وصية لوارث"، مع كون راويه إسماعيل بن عياش".
١ رواه الحاكم في المستدرك "١/ ١٠٨-١١٠" بأكثر من طريق وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الحافظ الذهبي، ورواه أبو داود "٤٦٤٠"، والترمذي "٢٦٦٤" وحسنه، وابن ماجه "١٢"، كلهم من حديث المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- وقال الخطابي: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان حجة بنفسه. معالم السنن هامش أبي داود "٥/ ١١".
وقوله: "متكئًا على أريكته" كناية عن عدم مبالاته واهتمامه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>