فيرى المعتزلة أن الله تعالى منزه عن ثبوت صفات قائمة بذاته كالسمع والبصر والقدرة والكلام والحياة، بينما رأى الجمهور أن هذه الصفات قديمة قائمة بذات الله تعالى ليست عين الذات ولا غيرها.
والخلاف في هذه المسألة أدى إلى خلاف في القرآن الكريم، فرأى الجمهور أنه كلام الله، وأنه قديم؛ لأنه صفة لله تعالى، ولكن المعتزلة يرون أنه مخلوق وحادث.
وكان الخليفة المأمون عالمًا١ ميالًا إلى حرية البحث والمناظرة، فأفسح المجال أمام المتكلمين، فنشبت المعركة الكبيرة بينهم وبين المحدثين، وكان المأمون يعقد لهم مجالس للمناظرة والمحاورة أملًا في الاتفاق على رأي، ولكن هيهات ... فلما أخفق في القضاء على هذا الخلاف أراد أن يرغم الفقهاء والمحدثين على قبول رأي المعتزلة الذي مال إليه واعتنقه -وهو أن القرآن مخلوق- واعتبر المأمون أن الجمهور الأعظم، والسواد الأكبر -وهم المخالفون- "لا نظر لهم ولا روية، ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمى عنه، وضلال عن حقيقة دينه ... " وغير ذلك من القذف الذي رمى به الفقهاء والمحدثين، مما جاء في كتابه إلى عامله على بغداد "إسحاق بن إبراهيم الخزاعي"، بينما هو كان يغزو بلاد الروم حتى أنه وصفهم في هذا الكتاب بأنهم شر الأمة وإخوان إبليس.
وأمر عامله هذا بأن يمتحن القضاة والمحدثين في هذه المسألة، وأن يقتل كل مَن لم يقل بخلق القرآن، وقال له:"فمن لم يجب فامنعه من الفتوى والرواية".
وأنفذ المأمون وصيته إلى أخيه المعتصم بالسير على طريقته في مسألة خلق القرآن، ففعل المعتصم، وأمر المتعلمين بأن يعلموا الصبيان رأي المعتزلة في هذه المسألة.
١ سمع الموطأ، واطلع على الفلسفة اليونانية وأقوال حكماء الفرس، وأمر بترجمة الكثير من كتب الروم، وأصبح عصره أزهى عصور العلم في خلافة بني العباس.