للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقتل المعتصم في ذلك كثيرًا من العلماء، وأهان كثيرًا من أهل الحديث، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- الذي أصر على رأيه، فأُوذي كثيرًا.

ومات المعتصم "٢٢٧هـ"، وجاء ابنه "الواثق" فأحيا الفتنة، وأمر أمير البصرة أن يمتحن الأئمة والمؤذنين في مسألة خلق القرآن، وقتل وأهان في ذلك الكثير من العلماء والمحدثين، وقد ساعد الواثق في ذلك وزيره أحمد بن أبي دؤاد الذي كان على رءوس الاعتزال.

ولكن الواثق ملَّ هذه المحنة فرجع عنها في آخر عمره، وسخط على "أحمد بن أبي دؤاد"؛ ولكن بعد إهانة المحدثين والفقهاء، وقتل وأذى الكثيرين منهم، من قبل الدولة والمعتزلة الذين قويت شوكتهم، ونالوا من أهل السنة، وانتقموا منهم، وخاصة بعد أن قربهم الخلفاء، وأخذوا بزمام الوزارات والقضاء.

وولي "المتوكل على الله بن المعتصم" الخلافة بعد أخيه الواثق "٢٣٢هـ" فرفع المحنة، وأظهر ميلًا عظيمًا إلى السُّنة، وكتب بذلك إلى الآفاق، واستقدم المحدثين إلى "سامراء"، وأكرمهم وأجزل لهم العطاء.

فحدثوا بأحاديث الصفات والرؤيا، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة، فاجتمع إليه نحو ثلاثين ألف نفس، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور، فاجتمع إليه نحو ثلاثين ألفًا أيضًا، ودعا الناس للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه حتى قال بعضهم: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السُّنَّة وإماتة التجهم١.

وكما ابتُلي المحدثون في هذا القرن بهذه المحنة التي انتصر عليهم فيها المعتزلة،


١ راجع: البداية والنهاية "١٠/ ٢٧٢"، تاريخ الخلفاء للسيوطي "ص٢٠٤"، والحديث والمحدثون، لمحمد محمد أبو زهو "ص٣١٦- ٣٢٢"، طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

<<  <   >  >>