للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار، وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضًا عن حديثهم، وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفتْ روايتُه أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله، فمن هذا الضرب من المحدثين: عبد الله بن مُحرَّر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح بن المنهال أبو العطوف، وعباد بن كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعمر بن صُهْبان، ومن نحا نحوهم في رواية المنكر من الحديث، فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به؛ لأن حكم أهل العلم -والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدِّث من الحديث- أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجِدَ كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند الصحابة قُبِلَتْ زيادته ...

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مُشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما -أو عند أحدهما- العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم.

واعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والسِّتارة١ في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع ... "٢.


١ الستارة: ما يستتر به، وكذلك السترة، وهي هنا إشارة إلى الصيانة، م "١/ ٨" هامش.
٢ صحيح مسلم "١/ ٤- ٨"، طبع دار إحياء الكتب العربية، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

<<  <   >  >>