للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخطأ الذين عابوا على الإمام مسلم روايته عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين، الذين ليسوا من شرط الصحيح، وذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها١:

أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، قال ابن الصلاح: "ولا يقال: إن الجرح مُقدَّم على التعديل، وهذا تقديم للتعديل على الجرح؛ لأن الذي ذكرناه محمول على ما إذا كان الجرح غير مفسر السبب فإنه لا يعمل به".

الثاني: أن يكون ذلك واقعًا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول؛ وذلك بأن يذكر الحديث أولًا بإسناد نظيف رجاله ثقات، ويجعله أصلًا، ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجهة التأكيد بالمتابعة، أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه.

الثالث: أن يكون ضَعْف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته، كما في "أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب"، فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر، فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وغيرهما ممن اختلط آخرًا، ولم يمنع ذلك من الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك ... ثم روى بسنده عن إبراهيم بن أبي طالب٢ يقول: قلت لمسلم بن الحجاج: قد أكثرت الرواية في كتابك الصحيح عن أحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وحاله قد ظهر؟ فقال: إنما نقموا عليه بعد خروجي من مصر.


١ راجع: صيانة صحيح مسلم "ص٩٤-٩٨"، شرح مسلم للنووي "١/ ١٣٤- ١٣٦".
٢ إبراهيم بن أبي طالب: محمد بن نوح بن عبد الله النيسابوري، أبو إسحاق شيخ خراسان، قال الحاكم: كان إمام عصره في معرفة الحديث والرجال، أملى كتاب العلل وغيره، تُوفي سنة خمس وتسعين ومائتين. راجع: تذكرة الحفاظ "٢/ ٦٣٨"، العبر "٢/ ١٠٠".

<<  <   >  >>