للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النكارة من أهل الطبقة الرابعة، فهؤلاء لا يعرج على حديثهم، ولا يتشاغل بتخريجه.

وهكذا تلاحظ اهتمام الإمام مسلم بالسند، وتحري عدالة الرواة وضبطهم؛ وذلك لأن الإسناد دليل على صحة الحديث أو ضعفه، مما ينعكس بوضوح على الأحكام التشريعية. قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال مَن شاء ما شاء١.

وقد التزم الإمام مسلم بهذا المنهج الذي رسمه لنفسه، وليس كما زعم الحاكم والبيهقي، حين ذهبا إلى أنه لم يخرج في كتابه الصحيح إلا عن الطبقة الأولى، ولم يخرج عن الطبقة الثانية٢. قال القاضي عياض: "وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد، فإنك إذا نظرت إلى تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال"٣، فجاء بحديث الحفاظ والمتقنين أولًا، ثم أتبعه بحديث أهل الستر والصدق، ثم استشهد بحديث من اتهم من قِبَل بعض العلماء بتهمة نفاها عنه آخرون، ممن ضعف أو اتهم ببدعة، قال النووي: "وهذا الذي اختاره القاضي عياض ظاهر جدًّا، والله أعلم"٤.

فكل الأحاديث التي رواها مسلم في أصول أبواب صحيحه متصلة الإسناد برواية الثقة عن الثقة من أوله إلى آخره، قال ابن الصلاح: شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالمًا من الشذوذ، ومن العلة، وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته٥.


١ مقدمة صحيح مسلم "١/ ١٢٨"، المحدث الفاضل "ص٢٠٩"، مقدمة ابن الصلاح "ص١٣٠"، تدريب الراوي "٢/ ١٦٠"، شرف أصحاب الحديث "ص٤١"، معرفة علوم الحديث "ص٩"، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "١/ ١٢٣".
٢، ٣ شرح مسلم للنووي "١/ ١٣٢".
٤ المصدر السابق "١/ ١٣٣".
٥ صيانة صحيح مسلم "ص٧٢"، ونقله النووي بنحوه في مقدمة صحيح مسلم "١/ ١٢١، ١٢٢".

<<  <   >  >>