للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا رأينا بعض العلماء يتقدمون خطوة أخرى، فيعنون بهذه الناحية أكثر من غيرها، ومن هؤلاء الإمام أبو داود الذي ألف كتابه السنن ولم يُعْنَ فيه كثيرًا بغير أحاديث الأحكام كالمغازي والسير والقصص والآداب.

يقول الخطابي: "وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأما السنن المحضة، فلم يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءها، ولم يقدر على تخليصها واختصار مواضعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة، ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داود؛ ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب، فضربت إليه أكباد الإبل، ودامت إليه الرحل"١.

وقد جمع أبو داود سننه في عشرين سنة، وانتقاه من خمسمائة ألف حديث، وظل يقرؤه على الناس حوالي أربعين سنة.

قال أبو داود: "أقمت بطرطوس عشرين سنة أكتب المسند، فكتبت أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار الأربعة آلاف على أربعة أحاديث لمن وفقه الله"٢، ثم ذكر الأحاديث.

وقال أبو داود: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنه هذا الكتاب -يعني السنن- جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات".


١ معالم السنن "١/ ١١".
٢ تهذيب الأسماء واللغات للنووي "٢/ ٢٢٤"، وسيأتي ذكر هذه الأحاديث الأربعة قريبًا.

<<  <   >  >>