للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى ابن الصلاح أن النهي كان في أول الأمر لخشية اختلاط الحديث بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن فيه١، وبيَّن أن أحاديث الإذن بالكتابة كانت بعد النهي، وذكر غير واحد من الأئمة والحفاظ أنه لو لم يأذن الرسول بالكتابة لكان ذلك سبيلًا إلى الجهل بالشريعة واندراس كثير من السنن. وروى ابن الصلاح بسنده عن الأوزاعي أنه كان يقول: كان هذا العلم كريمًا يتلقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله. ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة، والله أعلم٢.

وروى ابن عبد البر بسند صحيح عن إسحاق بن منصور قال: قلت لأحمد بن حنبل: من كره كتاب العلم؟ قال: كرهه قوم، ورخص فيه آخرون. قلت له: لو لم يكتب العلم لذهب. قال: نعم، ولولا كتابة العلم أي شيء كنا نحن؟ قال إسحاق بن منصور: وسألت إسحاق بن راهويه فقال كما قال أحمد سواء٣.

فقد ثبت أن الصحابة كانوا يدونون السنة، وكانوا يحثون أبناءهم على الكتابة والتدوين:

فقد كتب أبو بكر -رضي الله عنه- لأنس بن مالك -رضي الله عنهم- كتابًا فيه فرائض الصدقة التي سنَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد توارث هذا الكتاب ثمامة بن عبد الله بن أنس بعد أن حدَّثه به أبوه٤.

وقد هَمَّ أبو بكر بجمع السنن، فكتب ما يقرب من خمسمائة حديث، ثم رأى أن يحرقها خوفًا من أن تنقل عنه ويكون فيها شيء غير صحيح، وليس لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الكتابة٥.


١، ٢ انظر: المقدمة "ص٨٨" في النوع الخامس والعشرين.
٣ جامع بيان العلم "١/ ٣٢٩". دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.
٤ راجع: صحيح البخاري "٢/ ١٤٦، ١٤٧"، سنن أبي داود "٢/ ١٢٩، ١٣٠" كتاب الزكاة - حديث رقم "١٥٦٧"، وسنن النسائي: كتاب الزكاة - حديث رقم "٢٤٤٩"، وسنن ابن ماجه "١/ ١٥٥" كتاب الزكاة - حديث رقم "١٨٠٠"، تقييد العلم "٨٧"، وفيه نصوص من هذا الكتاب.
٥ راجع: تذكرة الحفاظ "١/ ص٥".

<<  <   >  >>