للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك ما رواه الذهبي من مراسيل ابن أبي مليكة: أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: "إنكم تحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافًا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحِلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه".

ثم قال الحافظ الذهبي: "يدلك هذا أن مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحري، لا سد باب الرواية، ألا تراه لما نزل به أمر الجدة ولم يجده في الكتاب كيف سأل عنه في السنن، فلما أُخْبِرَه ما اكتفى حتى استظهر بثقة آخر، ولم يقل: حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج"١.

الثالث: أنهم تشددوا مع الآخرين الذين يتلقون عنهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما يوضح ذلك قول البراء بن عازب رضي الله عنه: "ما كل الحديث سمعناه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحدثنا أصحابنا وكنا منشغلين في رعاية الإبل، وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسمعونه من أقرانهم وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه"٢، فروى الزهري أنا أبا بكر -رضي الله عنه- حدث رجلًا حديثًا فاستفهمه إياه، فقال أبو بكر: هو كما حدثتك، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا أنا قلت ما لم يقل٣.

الرابع: ومن مظاهر هذا التشدد: أنهم كانوا يستحلفون الراوي عن الرسول مهما كانت منزلته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي الإسلام؛ فقد روى علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام إليه عَبِيدَة السلماني فقال: "يا أمير المؤمنين، والله الذي لا إله إلا هو لَسَمِعتَ هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو" حتى استخلفه ثلاثًا وهو يحلف٤.


١ تذكرة الحفاظ "١/ ٣، ٤"، وانظر: السنة قبل التدوين "ص١١٣".
٢ معرفة علوم الحديث للحاكم "ص١٤".
٣ راجع: السنة قبل التدوين لمحمد عجاج الخطيب "ص١١٢، ١١٣" ومصادره.
٤ صحيح مسلم بشرح النووي "٣/ ١١٨، ١١٩".

<<  <   >  >>