للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر أن ذلك يقع أيضًا لمن نهى أهله عن ذلك ممن كان شأنهم ذلك، وهو قول داود وابن المرابط وطائفة.

- ويرى الإمام البخاري صحة الحديثين جميعًا؛ ولكن ليسا على إطلاقهما، فحديث عمر إنما هو في النوح المنهي عنه، والذي فيه التفوه بمعارضة القدر والتمرد عليه، وإذا كان من سنته ذلك، ولا يكون فيه معارضة للآية الكريمة: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٢] .

وقال نحو ذلك ابن حزم وطائفة، واستدل ابن حزم بحديث ابن عمر عند البخاري في قصة موت إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "ولكن يُعذب بهذا"، وأشار إلى لسانه، قال ابن حزم: فصح أن البكاء الذي يُعذب به الإنسان ما كان منه باللسان.

- وقيل: معنى التعذيب: توبيخ الملائكة له بما يَنْدُبه أهله به.

- وقيل: معنى التعذيب: تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها. اختاره الطبري ورجحه القاضي عياض وابن المرابط وابن تيمية١.

ومما سبق يتبين أنه لا تعارض بين السُّنَّة الصحيحة والقرآن الكريم.

وقد قال العلماء: إن السيدة عائشة حملت اللام للعهد، وحملها سيدنا عمر على الاستغراق، وذلك في رواية: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" ٢.

السابع: ومن مظاهر الحيطة عرض السُّنَّة على السُّنَّة، ومثاله ما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلتُ على عائشة فقلت: يا أماه! إن جابر بن عبد الله يقول: "الماء من الماء" فقالت: "أخطأ، جابر أعلم مني برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: "إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل"، أيوجب الرجم ولا يوجب الغسل؟! "٣


١ راجع: فتح الباري "٣/ ١٨٥" وما بعدها في ترجمة الباب السابق للبخاري.
٢ راجع: الإجابة للزركشي "ص٩٢".
٣ الإجابة "ص١٤٥".

<<  <   >  >>