للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكون أنت الشاهد عليه، فذهب فجاء به وعند عمر ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، فقال له عمر: أي عُدي نفسه، تفتي الناس بهذا؟! فقال زيد: أما والله ما ابتدعتُه؛ ولكن سمعته من أعمامي: رفاعة بن رافع، ومن أبي أيوب الأنصاري. فقال عمر لمن عنده: يا عباد الله، قد اختلفتم، وأنتم أهل بدر الأخيار، فقال له علي: فأرسل إلى أزواج النبي، فإنه إن كان شيء من ذلك ظَهَرْنَ عليه، فأرسل إلى حفصة فسألها فقالت: "لا علم لي بذلك"، ثم أرسل إلى عائشة فقالت: "إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل"، فقال عمر عند ذلك: "لا أعلم أحدًا فعله ثم لم يغتسل إلا جعلتُه نكالًا"١.

العاشر: ومن مظاهر الحيطة في قبول الحديث الشريف أنهم كانوا إذا وجدوا كتابًا لا يحدثون بما فيه إلا إن تأكدوا من سماعه أو قراءته على صاحبه، فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكره تلقي الحديث من الكتب دون سماع أو قراءة، فقال: "إذا وجد أحدكم كتابًا فيه علم لم يسمعه من عالم فليَدْعُ بإناء وماء فلينقعه فيه حتى يختلط سواده مع بياضه"٢.

تلك آثار تبين منهج الصحابة في التثبت والتأكد من الأخبار، وهذا لا يعني أبدًا أن الصحابة اشترطوا لقبول الحديث أن يرويه راويان فأكثر أو أن يشهد الناس على الراوي أو يُستحلف، فإذا لم يحصل شيء من هذا رُدَّ خبرُه؛ بل كان الصحابة يثبتون في قبول الأخبار ويتبعون الطريقة التي تطمئن إليها نفوسهم، فلم يكن ذلك شأنهم المستمر؛ بل كان يحصل إذا ما ارتابوا في ضبط الراوي ونحوه، كما كان الهدف حمل المسلمين على جادَّة التثبت العلمي والتحفظ في دين الله حتى لا يتقول أحد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل، ويتضح هذا في قول عمر -رضي الله عنه- عندما رجع أبو موسى الأشعري مع أبي سعيد الخدري وشهد له: "أما إني


١ الإجابة لما استدركته السيدة عائشة على الصحابة "ص٧٨".
٢ الكفاية في علم الرواية "ص٣٥٣" طبعة الهند.

<<  <   >  >>