للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتشدد الصحابة في الرواية كراهة التحريف أو الزيادة والنقصان في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كثرة الرواية كانت في نظر الكثيرين منهم مظنة الوقوع في الخطأ والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكذب عليه فقال: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، ونهى عن رواية ما يُرى أنه كذب فقال: "من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ١، وفي الحديث الصحيح: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع" ٢.

تلك هي طريقة الصحابة ومنهجهم في المحافظة على حديث رسول الله خشية الوقوع في الخطأ، أو تسرب الدس إلى الحديث الشريف من الجهلاء وأصحاب الأهواء، أو أن تحمل بعض الأحاديث على غير وجه الحق والصواب، فيكون الحكم بخلاف ما أخذوا به، ففعلوا ذلك كله احتياطًا للدين ورعاية لمصالح المسلمين، لا زهدًا في الحديث النبوي ولا تعطيلًا له، فقد ثبت عن الصحابة جميعًا تمسكهم بالحديث الشريف، وإجلالهم إياه، وأخذهم به، وقد تواتر خبر اجتهاد الصحابة إذا وقعت لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام، وفزعهم إلى كتاب الله تعالى، فإن وجدوا فيه ما يريدون تمسكوا به، وأجروا "حكم الحادثة" على مقتضاه، وإن لم يجدوا ما يطلبون فزعوا إلى "السُّنَّة"، فإن رُوي لهم خبر أخذوا به، ونزلوا على حكمه، وإن لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد بالرأي٣.

وطريقة أبي بكر وعمر في الحكم مشهورة؛ كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به التزمه، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بقضاء؟


١ رواه مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب، وحديث المغيرة بن شعبة "١" المقدمة "١" باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٢ صحيح مسلم "١/ ١٠" المقدمة "٣" باب النهي عن الحديث بكل ما سمع - من حديث أبي هريرة "٥".
٣ انظر: الملل والنحل للشهرستاني "ص٤٤٦، ٤٤٧".

<<  <   >  >>