للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فربما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، فإن لم يجد سنة سنها النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع رؤساء الناس فاستشارهم١ ... وكان عمر -رضي الله عنه- يفعل ذلك.

هكذا كان منهج الصحابة جميعًا في كل ما يرد عليهم، وليس لأحد بعد هذا أن يتخذ بعض ما ورد عن بعض الصحابة ذريعة لهواه فينكر السُّنة أو يشكك فيها، وخاصة الأحاديث التي رواها المكثرون من رواية الحديث الشريف من الصحابة؛ كأبي هريرة وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.

وقد وضح هذه المسألة الأئمة والحفاظ ومنهم ابن عبد البر والخطيب البغدادي، يقول ابن عبد البر: احتج بعض مَن لا علم له ولا معرفة من أهل البدع وغيرهم، الطاعنين في السنن، بحديث عمر -رضي الله عنه- هذا قوله: "أقِلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد في سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي لا يوصل إلى مراد كتاب الله إلا بها، والطعن على أهلها، ولا حجة في هذا الحديث، ولا دليل على شيء مما ذهبوا إليه من وجوه ذكرها أهل العلم؛ منها:

أن وجه قول عمر إنما كان لقوم لم يكونوا أحصَوْا القرآن، فخَشِي عليهم الاشتغال بغيره عنه؛ إذ هو الأصل لكل علم، هذا معنى قول أبي عبيد في ذلك.

وقال غيره: إن عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حُكمًا ولا يكون سُنة.

وطعن غيرهم في حديث قرظة هذا وردَّه؛ لأن الآثار الثابتة عن عمر خلافه، منها ما روى مالك ومعمر وغيرهما عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة، عن عمر بن الخطاب، في حديث السقيفة أنه خطب يوم جمعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني أريد أن أقول مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهى به راحلته، ومن خشي ألا يعيَها فإني لا أحل له أن يكذب عليَّ٢.


١ إعلام الموقعين "١/ ٦٢".
٢ انظر هذا القول لعمر -رضي الله عنه- رواه الخطيب البغدادي عن ابن عباس في الكفاية "ص١٦٦".

<<  <   >  >>