للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم١. ولو كان مذهب عمر ما ذكرنا؛ لكانت الحجة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون قوله، فهو القائل: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها وبلغها"، وقال النبي: "تسمعون ويُسمع منكم" رواه أبو داود والإمام أحمد والحاكم٢.

ويقول الخطيب البغدادي:

إن قال القائل: ما وجه إنكار عمر على الصحابة روايتهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتشديده عليهم في ذلك؟ قيل له: فعل ذلك عمر احتياطًا للدين وحسن نظر للمسلمين؛ لأنه خاف أن يتكلوا عن الأعمال، ويتكلوا على ظاهر الأخبار، وليس حكم جميع الأحاديث على ظاهرها، ولا كل من سمعها عرف فقهها، فقد يرد الحديث مجملًا ويستنبط معناه وتفسيره من غيره، فخشي عمر أن يُحمل حديث على غير وجهه، أو يؤخذ بظاهر لفظه، والحكم بخلاف ما أُخذ، ونحو من هذا.

الحديث الآخر عن معاذ قال: كنت ردف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار له يقال له: عُفَيْر، فقال: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله"؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب مَن لا يشرك به"، قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا، فيتكلوا" ٣.

وفي تشديد عمر على الصحابة في رواياتهم حِفْظٌ لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترهيب لمن لم يكن من الصحابة أن يُدخل في السنن ما ليس منها؛ لأنه إذا رأى الصحابي المقبول القول، المشهور بصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تُشُدِّدَ عليه في


١ صحيح مسلم "١/ ١٠" المقدمة "٣" باب النهي عن الحديث بكل ما سمع - حديث رقم "٥".
٢ جامع بيان العلم وفضله "٢/ ١٢١-١٢٤".
٣ رواه البخاري في صحيحه "١/ ٢٣٦ - فتح " من حديث أنس بن مالك أن رسول الله ومعاذًا رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل ... " الحديث.

<<  <   >  >>