للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحدث به ويعرف فقهه وحكمه، فلا يتناوله أمر عمر -رضي الله عنه- فكل ما ورد عن أمير المؤمنين إنما يدل على المحافظة على السُّنة ونشرها وتبليغها صحيحة، والسبيل إلى ذلك أن يتثبت حاملوها من مروياتهم، والإقلال من الرواية مظنة عدم الوقوع في الخطأ؛ ولهذا أمر به -رضي الله عنه- وهذا ما رآه ابن عبد البر والخطيب البغدادي من أئمة الحديث، وإليه أذهب، وبه أقول، فالصحابة لم يزهدوا في السُّنة؛ بل كان لهم الفضل الأول في المحافظة عليها١.

وثَمَّة رواية عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه حبس بعض الصحابة؛ لأنهم أكثروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقد ناقش بعض العلماء هذه الرواية وردوها:

روى الحافظ الذهبي٢ عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: "ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". هؤلاء ثلاثة من أجلة أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأتقاهم وأورعهم، هل يُعقل من مثل عمر بن الخطاب أن يحبسهم؟! وهل يكفي لحبسهم أنهم أكثروا من الرواية؟

وقد ناقش ابن حزم هذا الخبر وردَّه وقال: "هذا مرسل ومشكوك فيه من "شعبة" فلا يصح، ولا يجوز الاحتجاج به، ثم هو في نفسه ظاهر الكذب والتوليد؛ لأنه لا يخلو عمر من أن يكون اتهم الصحابة، وفي هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث، وعن تبليغ سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المسلمين، وألزمهم كتمانها وجحدها وألا يذكروها لأحد، فهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، ولئن كان سائر الصحابة متهمين بالكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فما عمر إلا واحد منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلًا، ولئن


١ السنة قبل التدوين لمحمد عجاج الخطيب "ص١٠٥، ١٠٦" بتصرف يسير.
٢ تذكرة الحفاظ "١/ ٧" وفيه سعيد بن إبراهيم، والصواب سعد، وهو حفيد عبد الرحمن بن عوف. انظر: مجمع الزوائد "١/ ١٤٩".

<<  <   >  >>