للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان حبسهم وهم غير متهمين لقد ظلمهم، فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة أي الطريقتين الخبيثتين شاء، ولا بد له من أحدهما ... ".

ثم قال: "وقد حدث عمر بحديث كثير؛ فإنه قد روى خمسمائة حديث ونيفًا على قرب موته من موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كثير الرواية، وليس في الصحابة أكثر رواية منه إلا بضعة عشر منهم"١.

قال الدكتور محمد عجاج الخطيب: ولو سلمنا جدلًا بصحة الرواية فهناك خلاف في المحبوسين، فالذهبي يذكر: ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، بينما يذكر ابن حزم: ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، فهل تكرر الحبس من عمر؟ ولو تكرر لاشتهر، ثم إن حادثة كهذة سيطير خبرها في الآفاق من غير أن تحتمل الشك في المحبوسين؛ لأنهم من أعيان الصحابة، ولو سلمنا أن العبرة في الحادثة نفسها من حيث حبسه بعض الصحابة دون نظر إلى أعيانهم وأشخاصهم؛ لأنهم أكثروا الرواية، قلنا: قد كان غير هؤلاء أكثر منهم حديثًا ولم يردنا خبر عن حبسهم، فلا يعقل أن يحبس أمير المؤمنين بعضًا دون بعض في قضية واحدة هم فيها سواء، وهي الإكثار من الحديث، معاذ الله أن يفعل هذا عمر -رضي الله عنه- فيحبس هؤلاء ويترك أبا هريرة مثلًا وهو أكثر حديثًا منهم، فقد رُوي عن أبي هريرة "٥٣٧٤" خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا، وعن ابن مسعود "٨٤٨" ثمانمائة وثمانية وأربعون حديثًا، وعن أبي الدرداء "١٧٩" مائة وتسعة وسبعون حديثًا، وعن أبي ذر "٢٨١" مائتان وواحد وثمانون حديثًا٢.

فإن قيل: إن أبا هريرة لم يكثر من الرواية في عهد عمر -رضي الله عنه- لأنه خشيه. فنقول: لِمَ لَمْ يخشه هؤلاء؟


١ الإحكام لابن حزم "٢/ ١٣٩" وما بعدها.
٢ ذكر ذلك الإمام الحافظ بقي بن مخلد في مسنده. انظر: البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح لأبي البقاء الأحمدي الشافعي. مخطوطة دار الكتب المصرية "ص٩-١٣ ب".

<<  <   >  >>