للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن عمر نفسه سمح لأبي هريرة أن يروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما عرف ورعه وخشيته من الله -عز وجل- روى الذهبي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بلغ عمر حديثي فأرسل إليَّ، فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت فلان؟ قلت: نعم، وقد علمت لأي شيء سألتني. قال: ولِمَ سألتك؟ قلت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار قال: أما لا، فاذهب فحدث١.

ومن جهة أخرى، فإن عمر -رضي الله عنه- عندما أرسل عبد الله بن مسعود إلى أهل الكوفة كتب إليهم: "إني والله الذي لا إله إلا هو، أثرتكم به على نفسي فخذوا منه"٢، وذكر عمرُ ابنَ مسعود فقال: كنيف مليء علمًا، آثرت به أهل القادسية٢. كيف يأمر الناس بالأخذ منه، ويشهد له بالعلم، ثم يحبسه؟!

وما ورد على حبس ابن مسعود -رضي الله عنه- يرد على حبس الصحابة الباقين، ففيهم أبو الدرداء -رضي الله عنه- إمام الشام وقاضيها ومعلمها القرآن.

وبهذا البيان لا يرقى إلى الصحة خبر حبس عمر للصحابة -رضي الله عنهم- لأنهم أكثروا من الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل إنه يُروى عن ابن مسعود أنه نهى عن الإكثار من الرواية، فهل يُتصور منه أن ينهى عن شيء وهو يفعله؟! وقد رُوي عنه قوله: "ليس العلم بكثرة الحديث؛ ولكن العلم الخشية"٣. وفي رواية سعد بن إبراهيم عن أبيه -التي ذكرها الخطيب- ما يدل على أنه استبقاهم في المدينة حتى عرف لفظهم سواء، وهذه هي رواية الخطيب.

قال: بعث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وإلى أبي الدرداء -رضي الله عنه- وإلى أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- فقال: ما هذا الحديث الذي


١ سير أعلام النبلاء "٢/ ٤٣٤".
٢ سير أعلام النبلاء "١/ ٣٥١"، والكنيف: الوعاء.
٣ مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول "ص٦".

<<  <   >  >>