كما نص عليه في المغني في:"أما زيد فمنطلق"، وقول العلامة عبد القادر المكي في حاشيته على هذا الكتاب:"أما؛ هذه؛ حرف شرط وتفصيل" مخالف لما ذكرنا من النقلين معا. "بعد": ظرف زمان كثيرا، ومكان قليلا، تقول في الزمان:"جاء زيد بعد عمرو"، وفي المكان:"دار زيد بعد دار عمرو". وهي هنا صالحة للزمان باعتبار اللفظ، وللمكان باعتبار الرقم. واختلف في ناصبها إذا وقعت بعد "أما"، فقيل: فعل الشرط المقدر، وقيل: إما لنيابتها عن الفعل المقدر؛ وهو مذهب سيبويه، فعلى الأول "أما" نائبة عن الفعل معنى لا عملا، وعلى الثاني نائبة معنى وعملا. والأصل: مهما يكن من شيء بعد "حمد الله"، فـ"مهما" هنا مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ، و"يكن": شرط، و"الفاء": لازمة له غالبا. فحين تضمنت "أما" معنى الابتداء أو الشرط لزمتها "الفاء" ولصوق الاسم إقامة للازم وهو الفاء، ولصوق الاسم مقام الملزوم وهو الابتداء والشرط وإبقاء لأثره في الجملة. "مستحق الحمد وملهمه": نعتان لله لمجرد المدح، وصح نعت المعرفة بهما؛ لأنهما للدوام والاستمرار، فإضافتهما محضة أو بدلان، ويمتنع جعلهما عطفي بيان على الله؛ لأن عطف البيان للتوضيح المستدعي إيهاما، أو للتخصيص المستدعي عموما، وكلاهما منتف هنا. والاستحقاق: الاختصاص، والإلهام: ما يلقى في الروع؛ بضم الراء؛ وهو القلب. "ومنشيء الخلق ومعدمه" فيهما الإعراب المتقدم. والإنشاء هنا الإيجاد. قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً}[الواقعة: ٣٥] أي: أوجدناهن إيجادا. الخلق بمعنى المخلوق، والإعدام: الإفناء والإنفاد، ولا يخفى ما في مقابلة الإنشاء بالإعدام من الطباق. "والصلاة والسلام": مجروران بالعطف على حمد الله، وتقدم تفسيرهما. "على أشرف الخلق": متعلق بالسلام لقربه، وهو مطلوب أيضا للصلاة من جهة المعنى على سبيل التنازع. "وأكرمه" معطوف على أشرف. "المنعوت": بالنون من النعت، بمعنى الصفة، "بأحسن": متعلق بالمنعوت، "الخلق": بضم الخاء مع ضم اللام وسكونها والضم أشهر. والخَلْق والخُلُق؛ بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني؛ في الأصل واحد، كالشَّرب والشُّرب، لكن خص المفتوح بالهيئات والأشكال والصورة المدركة بالبصر، وخص المضموم بالقوى والسجايا المدركة البصيرة. والمراد هنا السجية والطبيعة، وبينهما من البديع الجناس المحرف١، "وأعظمه": معطوف على "أحسن"، وهو مقتبس من قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤] . "محمد": بدل من "أشرف"، ويجوز
١ الجناس المحرف: هو اختلاف اللفظين في الهيئة، نحو: جبة البرد جنة البرد. "حاشية يس ١/ ١٣".