الفاعل، فرفع ما بعد "إلا" وهو "القوم" على النيابة عن الفاعل، وتقدير المستثنى منه: فهل يهلك أحد إلا القوم الفاسقون، والمعنى: ما يهلك إلا القوم الفاسقون. ولا يتأتى التفريغ في الإيجاب؛ لأنه يؤدي إلى الاستبعاد، لا نقول: رأيت إلا زيدًا؛ لأنه يلزم منك أنك رأيت جميع الناس إلا زيدًا، وذلك محال عادة، "فأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}[التوبة: ٣٢] فحمل "يأبى"" في إفادة النفي "على "لا يريد" لأنهما" أي: لأن "يأبى" و"لا يريد" معناهما النفي فهما "بمعنى" واحد، والمعنى: لا يريد الله إلا إتمام نوره، فلا فرق في النفي بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى. وإلى مسألة التفريغ أشار الناظم بقوله:
٣١٩-
وإن يفرغ سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو إلا عدما
"وإن كان الكلام تاما"، وهو الذي يذكر فيه المستثنى منه، ففيه تفصيل، "فإن كان الكلام موجبًا" بفتح الجيم، وهو الذي لم يتقدم عليه نفي ولا شبهه "وجب نصب المستثنى" بـ"إلا" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
٣١٦-
ما استثنت إلا مع تمام ينتصب ... ...................................
"نحو: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا}[البقرة: ٢٤٩] فما قبل "إلا" وهو "شربوا" كلام تام؛ لأن المستثنى منه مذكور، وهو الواو في "شربوا"، وموجب لأنه لم يتقدم عليه نفي ولا شبهه، وما بعد "إلا" وهو "قليلا" واجب النصب على الاستثناء، ولا يجوز رفعه إلا بتأويل كما سيجيء، فأما قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ}[الأنبياء: ٢٢] بالرفع؛ فـ"إلا" فيه ليست للاستثناء، وإنما هي بمعنى "غير" فهي صفة لـ"آلهة"، ولكن نقل الإعراب منها لما بعدها لكونها على صورة الحرف، "وأما قوله" وهو الأخطل: [من البسيط]
٤١٧-
وبالصريمة منهم منزل خلق ... "عاف تغير إلا النؤي والوتد"
برفع "النؤي" و"الوتد" على الإبدال من الضمير المستتر في "تغير"، والقياس نصبهما؛ لأن الكلام موجب. "فحمل "تغير"" في إفادة النفي "على "لم يبق على حاله"؛ لأنهما" أي: لأن تغير ولم يبق معناهما النفي فهما "بمعنى" واحد. و"الصريمة"
٤١٧- البيت للأخطل في ديوانه ص١١٤، وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٧٠، وشرح عمدة الحافظ ص٣٨٠، والمقاصد النحوية ٣/ ١٠٣، وبلا نسبة في الارتشاف ٢/ ٣١٣، وأوضح المسالك ٢/ ٢٥٥، وشرح ابن الناظم ص٢١٧، وشرح الأشموني ١/ ٢٢٨، وشرح التسهيل ٢/ ٢٨١، وشرح الكافية الشافية ٢/ ٧٠٩، ومغني اللبيب ١/ ٢٧٦.