حرف ساكن إلى حرف آخر ساكن مثل الأول". وعنده أن "الحق زيادتها متحركة لئلا يلزم المحظور"١.
وهذا الخلاف يمثل -في رأينا- اضطرابا حقيقيا في إدراك كنه الصوت المجتلب لتسهيل عملية النطق بالساكن. ومن ثم عجزوا عن تحديده بالدقة: أهو الهمزة وحدها؟ أم الهمزة متلوة بحركة؟ والقائلون بالهمزة وحدها أحسوا بصعوبة جديدة تقابلهم عند افتراضهم هذا، إذ إن ذلك يقتضي الوقوع فيما أرادوا التخلص منه وهو البدء بالساكن. ولهذا تحايلوا على الموضوع بافتراض آخر، هو تحريك هذه الهمزة بعد اجتلابها.
وعندنا أن مجيء الصوت ساكنا أولا ثم تحريكه ثانيا عملية عقلية افتراضية، لجأ إليها اللغويون لتسويغ قواعدهم وتصحيح مبادئهم. أما المتكلم -وهو أهم عنصر في الدرس اللغوي- فلم يسلك هذا المسلك الذي يتضمن وقوع النطق على مراحل، والذي يعني كذلك أن هذا المتكلم كان يشغل نفسه بالتفكير في هذه القضية قبل النطق. إنه نطق هذا الصوت إما ساكنا -وبهذا يقع هؤلاء اللغويون فيما أردوا الهروب منه- وإما متحركا وبذا يلتقي هذا الرأي مع الاتجاه الثاني القائل بزيادة الهمزة متحركة من أول الأمر.
ومعنى ذلك في الحالتين أن المزيد حينئذ صوتان لا صوت واحد. أحدهما الهمزة والثاني الحركة التالية لها. وهذا الافتراض -وإن أمكن تصديقه عقلا- يبعد أن يكون قد وقع في حقيقة الأمر. إننا عندما نمارس نطق هذه الصوت الذي افترضوه وسموه همزة الوصل لا نحس بهذه الثنائية. وإنما نشعر بصوت واحد أو "بصويت" هو أقرب ما يكون إلى نوع من التحريك، يعتمد عليه اللسان حتى يصل إلى الساكن بعده، على ما يفهم من رأي الخليل الذي أشرنا إليه سابقا.
على أن هذا الافتراض نفسه قد واجه اللغويين بصعوبة أخرى اضطرتهم إلى الدخول في مناقشات جديدة، كان يغني عنها النظر في الموضوع من زاوية الواقع بدلا من الافتراض والتأويل. تلك الصعوبة تتمثل في تحديد نوع الحركة التي تصاحب الهمزة.