للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعوض الكسر من السكون "فيدخل الأفعال". ولما استشعروا أن الكسر "للتخلص من التقاء الساكنين" لا يقتصر على الأفعال. سوغوا هذه المقاصة بأن "للأفعال القدح المعلى" من ظاهرة اجتماع الساكنين التي تستدعي وجود الكسر، ومعلوم أن "للأكثر حكم الكل".

وبهذا التعليل الذي قدموه وسجلوه في النص السابق، كانت الكسرة في نظرهم هي الأصل عند التقاء الساكنين، ومن ثم كانت الأصل كذلك في تحريك همزة الوصل، وهو تعليل واه ضعيف، لا يفضل التعليل الثاني الذي قدموه لتفضيل الكسرة على الضمة. فالكسرة في نظرهم أولى من الضمة لخفتها أو "لقلة ثقلها" في النطق. وهذه -في رأينا- مسألة تختلف فيها أذواق الناس. وما كانت أذواق الناس في يوم من الأيام أساسا للحكم الموضوعي على الأشياء أو أساسا لوضع قواعد اللغة وتقنينها. إن النظر العلمي الموضوعي لا تعنيه بحال مسألة الصعوبة والسهولة لاعتمادها على الذاتية وتأثرها بالرأي الفردي.

أما التعليل الثالث وهو إيثار الكسرة على الفتحة حتى "لا توهم استفهاما" فهو يدل على جهل بحقائق الأمور، إذ شتان بين همزة الوصل وهمزة الاستفهام، فالأولى لها خواصها بوصفها للوصل والثانية همزة قطع لها صفاتها ومميزاتها التي تختلف عما استقر للأولى، وينطبق هذا على النطق وعلى ما يعرض لكل منهما في سياق الكلام المتصل، على نحو ما قرره علماء العربية أنفسهم. أضف إلى هذا أن همزة الاستفهام لها سياقات لغوية معينة يدركها من له أدنى خبرة بخواص "المنطوق" الاستفهامي، حيث يتميز هذا المنطوق بصفات صوتية، منها التنغيم "أو موسيقا الكلام" وأنماطه. ومنها ما يسبقها أو يلحقها من كلام، وهناك أخيرا -وليس آخرا- المقام الذي يعين الباحث على تحديد الظواهر اللغوية المختلفة.

<<  <   >  >>