للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا كله تبين لنا أن تعليلاتهم التي ذكروها لاختيار الكسرة بالذات ولتفضيلها على أختيها في حال التقاء الساكنين وتحريك همزة الوصل ادعاءات لا يؤيدها الواقع اللغوي، أو منطق البحث العلمي الصحيح، ويبدو أن الكوفيين كانوا أكثر توفيقا من غيرهم حيث نصوا على أن كسرة همزة الوصل في نحو "اضرب وضمها في اسكن" إنما جاء "اتباعا للثالث"١، فالكسر إذن ليس مفضلا لذاته، وإنما لسبب صوتي واضح، وهو تعليل جيد يدل على تذوق وفهم.

وهذا الذي رآه الكوفيون ذو أهمية خاصة في هذا المجال، إذ هو يقودنا إلى حقيقة الموضوع. وهي أن هذا الصوت الذي سمي همزة وصل لا يعدو أن يكون نوعا من التحريك ينحو نحو الحركة التالية له في الكلمة. وربما يدل على هذا ما أحس به بعض النابهين من أن حركة همزة الوصل لها حالات متعددة يلاحظ فيها أو في أغلبها أنها تناسب نوع الحركة التالية لها وتوافقها في بعض خواصها. يقول الأشموني:

"اعلم أن لهمزة الوصل بالنسبة لحركتها سبع حالات: وجوب الفتح وذلك في المبدوء بال، ووجوب الضم وذلك في نحو: اُنطلق واُستخرج مبنيين للمفعول٢، وفي أمر الثلاثي "المضموم العين" في الأصل٣، نحو: اُقتُلْ واُكْتُبْ، بخلاف امشوا وامضوا، ورجحان الضم على الكسر وذلك فيما عرض جعل ضمة عينه كسرة نحو: اُغزي، قاله: ابن الناظم. وفي تكملة أبي علي أنه يجب إشمام ما قبل ياء المخاطبة وإخلاص ضمة الهمزة. وفي التسهيل: أن همزة الوصل تُشَمُّ قبل الضم المشم. ورجحان الفتح على الكسر


١ الأشموني جـ٤ ص٢٠٩.
٢ البناء للمفعول، ومبني لما لم يذكر فاعله، ومبني لما لم يسم فاعله. كلها مصطلحات تشير إلى الفعل المبني للمجهول.
٣ يشير بعبارة "في الأصل" إلى الفعل المضارع فإذا كانت عينه مضمومة وجب حينئذ أن يكون الأمر المبدوء بألف الوصل. واجب الضم: يكتُب، اُكتب.

<<  <   >  >>