ايمن في القسم ففتحت الهمزة فيها -وهي اسم- من قبل أن هذا اسم غير متمكن، ولا يستعمل إلا في القسم وحده. فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيها بالهمزة اللاحقة لحرف التعريف. وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم، لمضارعته الحرف ... ويؤكد عندك أيضا هذا الاسم في مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به وأضعفوه. فقالوا مرة:"ايمن الله"، ومرة:"ايم الله" ومرة: "ايم الله"، ومرة:"مِ الله"، وقالوا:"مُ الله"، وقالوا: مُنُ ربي، ومِنِ ربي. فلما حذفوا هذا الحذف المفرط وأصاروه من كونه على حرف واحد إلى لفظ الحروف قوي شبه الحرف عليه، ففتحوا همزته تشبيها بهمزة لام التعريف"١.
فهذا التفسير -كما نرى- ليس إلا مثلا آخر من أمثلة الإغراق في التأويل والتماس العلل التي يولع بها ابن جني في كثير من مناقشاته. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على المقدرة البارعة لدى أبي الفتح في تصوير الأمور بغير صورها الحقيقية. ففتح الهمزة المصاحبة للام التعريف لغرض المخالفة بين حركتها هنا وحركتها في الأسماء والأفعال أمر لا يقره منطق الواقع ولا منطق اللغة. إنما المنطق هو أن الهمزة وردت في كلام العرب مفتوحة، فيجب أن تؤخذ بهذه الصفة وتسجل أحكامها وفق ما تبديه من خواص واقعية دون تأويل أو تعليل. واختيار الفتحة لهمزة ايمن تشبيها لهذه الصيغة بالحرف لما يعتريها من ضعف أو نقص هو الآخر تفسير واه يبدو فيه التكلف واضحا.
وحقيقة الأمر أن الهمزة في أداة التعريف وايمن يمكن حسبانهما همزتي قطع، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، وكما يتبين كذلك من أدلة أخرى خاصة بكل حالة منهما. ففي "ايمن" نلاحظ اضطرابا بين النحاة في الحكم عليها وعلى همزتها. فهي عند البصريين اسم مفرد من اليمن، وهمزتها للوصل عندهم، بدليل سقوطها في درج الكلام، ووزنها على أفعل، ومثله جاء في العربية كآجُر وآنُك.