وإذا قيل إنهم يقصدون بالياء هنا الحركة لا الرمز؛ إذ هي مدة والمدة -كما هو معروف ومفهوم من كلام بعضهم- حركة طويلة إذا قيل هذا، ظل الاعتراض قائما وهو أن الياء بوصفها حركة لم تحذف وإنما أصابها القصر فقط. ومعنى هذا كله أن التعبير بحذف الياء على أن من التفسيرين تعبير غير دقيق.
ولكنا مع هذا لا ننكر بحال أن بعضهم يدرك تماما ما لهذه المدات من قيم صوتية، وأن بينها وبين الحركات علاقة هي علاقة الكل بالجزء أو العكس، ويفهم هذا بوضوح من قول ابن جني:
"اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين، وهي الألف والياء والواو. فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث، وهي الفتحة والكسرة والضمة. فالفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو. وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة والضمة الواو الصغيرة، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة"١.
ولكنهم على الرغم من هذا الفهم الواعي الدقيق لم يسلموا من البعد عن جادة الصواب أحيانا، فنظروا إلى هذه المدات نظرتهم إلى "الساكن" وعاملوها معاملته في كثير من الأحكام الصوتية والصرفية. وذلك يرجع -كما قلنا- إلى انخداعهم بغياب علامات الحركات الثلاث القصار، متأثرين في ذلك بالرموز الكتابية.
أما هذه المعاملة فتظهر في كثير من الحالات، نكتفي بالإشارة إلى أمثلة منها لتوضيح ما نقول. وأكثر ما جاء من هذا الباب قصد به تفسير قاعدتهم المشهورة: وجوب "التخلص من التقاء الساكنين". ويقع هذا التخلص في حالة السكون "بمعنى عدم الحركة" بتحريك الساكن، ولكنه يتم في حالة المدات بحذفها، كما رأوا هم في نحو المثال التالي: