أما الحالة الثانية فيقصدون بها كل حروف المد في نحو دعا، أدعو، أرمي، فهذه الحروف عندهم "لا يكنَّ إلا سواكن، لأنهن مدات والمدات لا يتحركن أبدًا"١.
وما سميت هذه المدات سواكن -على ما نفهم من كلامهم- إلا لخلوها من علامات الحركات الثلاث "الفتحة والكسرة والضمة القصيرات"، وإلا فمن المستحيل تسميتها سواكن، على أي وجه فسرت السكون ومعناه، أي سواء أعددته حركة ملفوظة، أم أخذته على أنه حذف الحركة أو عدمها، لعدم انطباق هذه المعاني جميعا على حروف المد من الناحية النطقية.
فمن الواضح أن ما سموه حروف المد ليس إلا تعبيرا قديما عما يعرف في الاصطلاح الصوتي الحديث بالحركات الطويلة: الفتحة والكسرة والضمة الممثلة كتابة بالألف والياء والواو بهذا الترتيب. فكيف إذن تكون هذه المدات حركات، ثم نسميها سواكن أو ننعتها بصفة السكون؟
إن هذا الذي رأوه بالنسبة لهذه المدات ليس إلا تناقضا صريحا أوقعهم فيه عدم قدرتهم على التفريق بين الصوت والرمز الكتابي الذي يشير إلى هذا الصوت. وكثيرا ما اختلط الأمر على بعضهم فبنوا قواعدهم على النظر إلى الرموز دون الأصوات الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى وقوع اضطراب مصحوب بعدم دقة فيما وصلوا إليه من قوانين صوتية وغير صوتية.
فمن المألوف مثلا قولهم: الفعل في لم يرم مجزوم بحذف الياء، على حين أن المحذوف إنما هو الرمز الكتابي، لا الصوت، وإنما الصوت الممثل في الحركة الطويلة "ii" قد قصر وصار "i" فقط، إذ التصوير الصوتي للفعل قبل الجزم هو "yarmii"، ولكن بعد الجزم أصبح "yarmi".