للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجب إثباتها واعتدادها لما كانت موجودة في اللفظ الذي هو قبل الخط. والهمزة موجودة في اللفظ كالهاء والقاف وغيرها، فسبيلها أن تعتد حرفا كغيرها"١.

وإذا كان المبرد يعني بعبارته السابقة تغير الهمزة نطقا كذلك، كما في حالة التخفيف مثلا فنحن ندفع هذا الظن بأن التخفيف في الهمزة لهجة، وذلك أمر ثابت لديهم. جاء في مراح الأرواح وشرحه، أن الهمزة "قد تخفف، لأنها حرف ثقيل إذ مخرجه أبعد من مخارج جميع الحروف لأنه يخرج من أقصى الحلق فهو شبيه بالتهوع المستكره لكل أحد بالطبع، فخففها قوم وهم أكثر أهل الحجاز وخاصة قريش. روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال: "نزل القرآن بلسان قوم وليسوا بأصحاب نبر. ولولا أن جبريل نزل بالهمزة على النبي عليه السلام ما همزتها" وحققها آخرون وهم تميم وقيس"٢.

وإذا ثبت أن التخفيف في الهمزة لهجة وجب علينا حينئذ أن ننظر إليه في إطار هذه اللهجة وحدها لا في إطار اللغة بعامة، حتى نتجنب الخلط الذي ينتج عن تداخل اللغات. وقد تنبه ابن جني إلى هذا الخلط في اعتراض له آخر وجهه إلى المبرد لتركه الألف "الهمزة" من الألفباء بسبب تغير صوتها، يقول: "وإنما كتبت الهمزة واوا مرة وياء أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف. ولو أريد تحقيقها ألبتة لوجب أن تكتب ألفا على كل حال. يدل على صحة ذلك أنك إذا أوقعتها موقعا لا يمكن فيه تخفيفها ولا تكون فيه إلا محققة، لم يجز أن تكتب إلا ألفا، مفتوحة كانت، أو مضمومة، أو مكسورة، وذلك إذا وقعت أولا نحو أخذ، وإبراهيم. فلما وقعت موقعا لا بد فيه من


١ ابن جني: المرجع السابق ص٤٨.
٢ النبر هنا معناه الهمز ويؤخذ من بقية الكلام أن كلمة "الهمز" "بمعنى الوقفة الحنجرية" كانت معروفة زمن علي بن أبي طالب. انظر مراح الأرواح في علم الصرف لأحمد بن علي بن مسعود وشرحه لابن كمال باشا ص٩٨ طبعة ١٩٣٧.

<<  <   >  >>