للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحقيقها اجتمع على كتبها ألفا ألبتة. وعلى هذا١ وجدت في بعض المصاحف "يستهزأون" بالألف قبل الواو ووجد فيها أيضا "وإن من شيأ إلا يسبح بحمده" [الإسراء: ٤٤] بالألف بعد الياء، وإنما ذلك لتوكيد التحقيق"٢.

وهكذا يكشف لنا ابن جني العظيم في هذا الرد عن نقطة أخرى مهمة، لا في هذا المقام فحسب، بل في مناهج البحث اللغوي بعامة. ذلك أن عبارته السابقة تعني أننا في معاملتنا للهمزة نخلط بين لهجتين "بيئتين لغويتين" وبين مستويين كذلك: مستوى النطق ومستوى الكتابة. فنحن في النطق ننطق الهمزة وبذلك نتمشى مع اللهجة أو اللهجات التي تحققها، ولكننا في الكتابة نكتبها أحيانا على واو أو ياء "أما كتابتها بالألف فهو الأصل بالطبع" مراعين في ذلك تلك الصور التي تصير إليها الهمزة في لهجات التخفيف ومعناه أننا في النطق نتبع لهجة أو لهجات معينة، ولكننا في الكتابة نأخذ بحكم لهجة أو لهجات أخرى، تلك هي التي تخفف الهمزة.

وفي هذا العمل -في رأينا- خلط كبير تنتج عنه أحكام متناقضة أو متضاربة للظاهرة اللغوية الواحدة. أما سبب هذا الخلط فهو تعدد البيئة


١ الإشارة بهذا إلى مضمون ما تقدم. وهو أنها إذا لم تقع في أول الكلمة يخففها الحجازيون ويحققها غيرهم. ولذلك توجد في بعض المصاحف محققة مكتوبة على ألف على طريقة غير الحجازيين. هذا التعليق من عمل المحققين لكتابة سر صناعة الإعراب لابن جني، وهو في رأينا تعليق مهم! انظر سر صناعة الإعراب ص٤٧.
٢ ابن جني، المرجع السابق ص٤٦-٤٧. وورد مثل هذا القول عن ابن يعيش في شرح المفصل جـ١٠ ص١٢٦، حيث يقول: "والصواب ما ذكره سيبويه وأصحابه من أن حروف المعجم تسعة وعشرون حرفا، أولها الهمزة وهي الألف التي في أول حروف المعجم وهذه الألف هي صورتها على الحقيقة، وإنما كتبت تارة واوا وياء أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف ولو أريد تحقيقها لم تكن إلا ألفا على الأصل. ألا ترى أنها إذا وقعت موقعا لا تكون فيه إلا محققة لا يمكن فيه تخفيفها -وذلك إذا وقعت أولا- لا تكتب إلا ألفا نحو: أعلم، أذهب، أخرج، وفي الأسماء: أحمد، إبراهيم، أترجة ... وأمر آخر يدل على أن صورة الهمزة صورة الألف أن كل حرف سميته ففي أول حروف تسميته لفظه بعينه، ألا ترى أنك إذا قلت باء ففي أول حروفه باء، وإذا قلت ثاء ففي أول حروفه ثاء، وكذلك الجيم والدال وسائر حروف المعجم، فكذلك إذا قلت: ألف، فأول الحروف التي نطقت بها همزة، فدل ذلك أن صورتها صورة الألف".

<<  <   >  >>