اللغوية أو عدم وحدة مصدر المادة المدروسة. وفي ظننا أن هذا الخلط وأمثاله كان من أكبر عوامل التعقيد والاضطراب في قواعد اللغة العربية، أصواتها وصرفها ونحوها. فكثيرا ما يحدث أن يضع علماء العربية قواعد مختلفة "متباينة أو متناقضة" للظاهرة اللغوية الواحدة. وذلك سببه أن هذه الظاهرة قد تكون مختلفة الخواص من لهجة إلى أخرى، أو أنها ذات مسلكين مختلفين فيهما. وربما يكتفون -في أحيان كثيرة- بوضع القاعدة العامة لهذه الظاهرة طبقا لما لاحظوه من خواصها في لهجة معينة، ثم يحكمون بالشذوذ أو عدم الصحة أو التأويل على خواصها الأخرى التي تتميز بها في لهجة أو عدد آخر من اللهجات. وهذا العمل من اللغويين العرب أمر معروف مشهور ويشيع تطبيقه بصفة خاصة على قواعد النحو.
والبحث اللغوي الحديث يوجب علينا منذ البداية "فيما يوجب" أن نحدد البيئة اللغوية للظاهرة المدروسة تجنبا للأحكام المتباينة لهذه الظاهرة. ورائدنا في هذا السبيل هو أن وحدة الحكم على الظاهرة اللغوية المعينة يجب أن تبنى على أساس وحدة الظاهرة نفسها في الذات والصفات، أو الخواص. فإذا ما تعددت أو اختلفت هذه الخواص وجب تعدد الأحكام، طبقا للمبدأ الذي ينص على وجوب تعدد الأنظمة في معالجة الظاهرة أو الظواهر التي تختلف خواصها. أما أن تخضع هذه الخواص المختلفة كلها لحكم واحد فهو عمل تعسفي ويعرض الدراسة للتعقيد والاضطراب. وإذا كان هذا هو الواجب اتباعه في وضع قواعد اللهجة الواحدة "البيئة اللغوية الواحدة" فما بالك حين تتعدد اللهجات أو البيئات؟
إننا حين تتعدد اللهجات يجب أن نضع قواعدنا طبقا للموجود في كل لهجة على حدة. ومعناه أننا إذا كنا من محققي الهمزة وجب أن نعطيها أحكام التحقيق على كل المستويات. وهذا يوجب علينا كتابتها بالألف دائما "وهو علامتها الأصلية" بقطع النظر عن موقعها وعن حركتها أو حركات ما قبلها وما بعدها. وواضح مما تقدم أن ابن جني يميل إلى هذا الرأي، وهو ما تؤيده